قوله {وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول} أي] في تحليل الحَرْثِ والأنعامِ، وبيان الشرائع والأحكام، قالُوا: حَسْبُنَا ما وجدنَا عليه آباءَنَا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون وهذا رد على أصحاب التقليد.
قوله تعالى:{حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ}«حَسْبُنَا» مبتدأ، وقد تقدَّم أنه في الأصلِ مصدرٌ، والمرادُ به اسمُ الفاعل، أي: كَافِينَا، وتفسيرُ ابن عطية له ب «كَفَانَا» تفسيرُ معنًى، لا إعراب، و «مَا وَجَدْنَا» هو الخبر، و «مَا» ظاهرُها أنها موصولة اسميةٌ، ويجوز أن تكون نكرةً موصوفةً، أي: كَافِينَا الذي وجدنا، و «وَجَد» يجوز أن يكون بمعنى المُصَادفة، ف «عَلَيْهِ» يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أنه متعلق ب «وَجَدْنَا» وأنه متعدٍّ لواحد.
والثاني: أنه حال من «آباءَنَا» ، أي: وجدناهم مُسْتَقِرينَ عليه، ويجوز أن يكون بمعنى العلْمِ، فيتعدَّى لاثنين ثانيهما «عَلَيْهِ» .
وقوله:{أَوَلَوْ كَانَ} قد تقدَّم إعراب هذا في البقرة [الآية ١٧٠] ، وأنَّ «لَوْ» هنا معناها الشرط، وأنَّ الواوَ للحال، وتقدَّم تفسيرُ ذلك كلِّه؛ فأغنى عن إعادته، إلَاّ أنَّ ابن عطيَّة قال هنا:«ألِفُ التوقيفَ دخلَتْ على واو العَطْف» قال شهاب الدين: تسميةُ هذه الهَمْزةِ للتوقيفِ فيه غرابةٌ في الاصطلاحِ، وجعلَ الزمخشريُّ هذه الواو للحالِ، وابنُ عطيَّة جعلها عاطفةً، وتقدَّم الجمعُ بين كلامهما في البقرة، واختلافُ الألفاظِ في هاتين الآيتينِ - أعْنِي آيةَ البقرةِ، وآية المائِدَة - مِنْ نَحْو قوله هناك:«اتَّبِعُوا» وهنا «تَعَالَوْا» وهناك «ألْفَيْنَا» وهنا «وَجَدْنَا» من باب التفنُّن في البلاغة.
واعلم: أنَّ الاقْتِدَاء إنَّما يَجُوزُ بالعالِمِ المُهْتَدِي، وهو الذي قولُهُ مَبْنِيٌّ على الحُجَّةِ والدَّليل، فإن لمْ يكُنْ كذلِكَ لم يَكُنْ عالماً مهتدياً، فلا يَجُوزُ الاقْتِدَاءُ به.