قال القُرطبيُّ في الكلام تقدير واو العطف، أي:{وَكُتِبَ عَلَيْكُمْ} ، فلما طال الكلامُ، سقطَت الواو، ومثله في بعض الأَقوال:{لَا يَصْلَاهَآ إِلَاّ الأشقى الذي كَذَّبَ وتولى}[الليل: ١٥، ١٦] ، أي: والذي تَوَلَّى فحذف.
قووله:«كُتِبَ» مبنيٌّ للمفعول، وحذف الفاعل للعلم به، وهو الله تعالى وللاختصار.
وفي القائم مقام الفاعل ثلاثةُ أوجُه:
أحدها: أن يكون الوصيَّة، أي:«كتِبَ عَلَيْكُمْ الوصِيَّة» وجاز تذكير الفعل لوجهين:
والثاني: أنَّهُ الإيصاءُ المدلُول عليه بقوله: {الوصية لِلْوَالِدَيْنِ} أي: كُتِبَ هو أي: الإيصاءُ، وكذلك ذكرُ الضَّمير في قوله:{فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ}[البقرة: ١٨١] وأيضاً: أنَّه ذكر الفِعلْل، وفصل بيْن الفِعل والوصيَّة؛ لأَنَّ الكلام، لمَّا طال، كان الفَاصِلُ بين المؤنَّث والفعْل، كالمعوَّض من تاءِ التَّأنيث، والعَرَبُ تَقُولُ: حَضَرَ القاضِيَ امرأَةٌ فيذكرون؛ لأنَّ القَاضِي فصَل بيْن الفعل وبيْن المرأة.
والثَّالِثُ: أنه الجارُّ والمجرُور، وهذا يتَّجِه على رأي الأخفش، والكوفيين، و «عَلَيْكُم» في محلِّ رفع على هذا القول، وفي محلِّ نَصبٍ على القولَين الأَوَّلين.
قوله تعالى:«إذَا حَضَر» العامل في «إِذَا» كُتِبَ «على أَنَّها ظَرف مَحْض وليس متضمِّناً للشَّرط، كَأَنَّهُ قيل:» كُتِبَ عَلَيْكُمْ الوَصِيَّةُ وَقْتَ حُضُورِ المَوْتِ «ولا يجوز أنْ يكُون العامل فيه لفظ» الوَصيَّة «؛ لأنَّها مصدرٌ، ومعمولُ المصدر لا يتقدَّم عليه لانحلاله لموصولٍ وصلةٍ، إلَاّ على مَذِهب منَ يَرَى التَّوسُّع في الظَّرف وعديله، وهو أبو الحسن؛ فإنَّه لا يَمْنعُ ذلك، فيكُون التَّقْديِرُ:» كُتِبَ عَلَيْكمْ أنْ توصوا وقت حضور الموت «.