قوله تعالى:{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ} الآية.
اعلم أنَّهُ تعالى قسم المؤمنين في زمان الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام - إلى أربعة أقسام وذكر حكم كل واحد منهم، وتقرير هذه القسمة أنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - لما ظهرت نبوته ودعا النَّاس إلى الدِّين، ثم انتقل من مكَّة إلى المدينة، فمنهم من وافقه في تلك الهجرة، ومنهم من لم يوافقه فيها بل بقي في مكة.
أمَّا القسمُ الأوَّلُ: فهم المهاجرون الأوَّلُون، وقد وصفهم الله بقوله:{إِنَّ الذين آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله} وإنما قلنا: إن المراد بهم المهاجرون الأولون؛ لأنَّهُ تعالى قال بعد ذلك:{والذين آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ} وقال تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح وَقَاتَلَ أولئك أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ وَقَاتَلُواْ}[الحديد: ١٠] .
القسم الثاني من الموجودين في زمان محمد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - وهم الأنصار؛ لأنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ لمَّا هارج إليهم مع طائفة من أصحابه، فلولا أنَّهم آووا، ونصروا، وبذلوا النَّفٍ والمال في خدمة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وإصلاح مهمات أصحابه لما تمَّ المقصودُ ألبتَّة فحال المهاجر أعلى في الفضيلة من حال الأنصار؛ لنَّهم السَّابقون إلى الإيمان، وتحمَّلُوا العناء والمشقة دهراً طويلاً من كفَّار قريش، وصبروا على أذاهم، وهذه الحالةُ ما حصلت للأنصارِ، وفارقوا الأوطان، والأهل، والأموال، والجيران، ولم يحصل ذلك للأنصار، وأيضاً فإنَّ الأنصار اقتدوا بهم الإسلام، وهم السابقون للإيمان.
ولمَّا ذكر الله تعالى هذين القسمين، قال:{أولئك بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} قال الواحديُّ عن ابن عباس وغيره من المفسرين «المراد في المرايث» وقالوا: جعل الله تعالى سببب الإرث الهجرة، والنصرة دون القرابة، وكان القريب الذي آمن ولم يهاجر لم يرث؛ لأنَّهُ لم يهاجر ولم ينصر.
واعلم أنَّ لفظ الولاية غير مشعرٍ بهذا المعنى؛ لأنَّ اللفظ مشعر بالقرِ على ما تقرَّر في هذا الكتاب.