لمّا بيَّن أنه عَلِيم ببَواطِنِهم وظَواهِرِهم، بيَّن أنَّه كما علمها، لا يَظْلِم مثقال ذرَّة منها.
قوله:{مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} فيها وَجْهَان:
أحدهما: أنه مَنْصُوب على أنه نَعءت لمصْدر مَحْذُوف، أي: لا يَظْلِم أحَداً ظُلْمَاً وَزْن ذَرَّة، فحذف المفْعُول والمَصْدر، وأقام نَعْتَه مَقَامه، ولمّا ذكر أبو البقاء هذا الوَجْه، قَدَّر قبله مُضَافاً مَحْذُوفَاً، قال تقْدِيره: ظلماً قَدْر مِثْقال ذرَّة، فحذفَ المَصْدر وصِفَتَه، وأقَام المُضَاف إلَيْه مَقَامَه، ولا حاجة إلى ذلك؛ لأن المثْقال نفسه هو قَدَرٌ من الأقْدَار، جُعِل مِعْيَاراً لهذا القَدَر المَخْصُوص.
والثاني: أنه مَنْصُوب على أنه مفعول ثانٍ ل «يظلم» ، والأوّل، مَحْذُوف؛ كأنهم ضَمَّنُوا «يظلم» معنى «يغضب» أو «ينقص» فعَدُّوهُ لاثنين، والأصْل أن الله لا يَظْلِمُ أحَدَاً مِثْقَالَ ذَرَّة.
والمِثْقَال مِفْعَال من الثِّقَل، يُقال: هذا على مثال هَذَا، أي: وَزْنه، ومعنى الآيَةِ: أنه - تعالى - لا يَظْلَمِ أحداً لا قَلِيلاً ولا كَثِيراً، وإنما أخْرَجَهُ على أصْغَر ما يتعارَفَه النَّاس،