أصحهما: أنها مَعْطُوفةٌ على الجملة الاسمية من قوله: «وتِلْكَ حُجَّتُنَا» وعطف الاسْمِيَّة على الفعلية وعكسه جائز.
والثاني: أجازه ابن عطيَّة، وهو أن يكون نَسَقاً علت «آتَيْنَاهَاط ورَدَّهُ أبُو حيَّان بأن» آتَيْنَاهَاط لها مَحَلٌّ من الإعراب، إمَّا الحال، وهذه لا مَحَلَّ لها؛ لأنها لو كانت مَعْطُوفَةً على الخَبَر أو الحال لاشترط فيها رابط، و «كُلاً» مَنْصُوبٌ ب «هَدَيْنَا» بعده. والتقدير: وكلّ واحدٍ من هؤلاء المذكورين.
فصل في المراد بالهداية
اختلفوا في المُرادِ بهذه الهداية، وكذا في قوله:{وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ} وقوله في آخر الآيات {ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء} قال بعض المُحَقَّقين: المُرَادُ بهذه الهداية الثَّوابُ العظيم، وهو الهداية إلى طريق الجنَّةِ؛ لقوله بعده {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} وجزاء المحسنين هو الثواب، وأمَّا الإرشاد إلى الدين، فلا يكون جَزَاءً على عَمَلِهِ.
وقيل: لا يَبْعُدُ أن يكون المُرَادُ الهدايةَ إلى الدِّينِ، وإنما كان جَزاءً على الإحسان الصادر منهم؛ لأنهم اجْتَهَدُوا في طَلَبِ الحقِّ، فاللَّهُ - تعالى - جَازَاهُمْ على حُسْنِ طلبهم بإيصالهم إلى الحقِّ، كقوله {والذين جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت: ٦٩] .
وقيل: المُرَادُ بهذه الهداية الإرْشَادُ إلى النُّبُوَّةِ والرسالة؛ لأن الهداية المَخْصُوصَةَ بالأنبياء ليست إلَاّ ذلك.
فإن قيل: لو كان كذلك لكان قوله: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يقتضي أن يكون الرِّسَالةُ جزاءً على عملٍ، وذلك باطلٌ.
فالجوابُ أنَّ قوله:{وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} يحمل على الجزاءِ الذي هو الثَّوابُ، فيزول الإشْكَالُ.
واعلم أنَّهُ - تعالى - لمَّا حَكى عن إبراهيم أنه أظْهَرَ حُجَّةَ اللَّهِ في التوحيد، وذَبَّ عنها عدَّدَ وجوه نعمِهِ وإحْسانِهِ إلَيْهِ.