للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

البصائر، أي: دلالة لأهل العقول على قدرة الله وتوحيده.

قوله

تعالى

: {والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ} الآية.

لما استدل أولاً بأحوال السماء والأرض، وثانياً بالآثار العلوية استدل ثالثاً بأحوال الحيوانات. قال ابن عطية: قرأ حمزة والكسائي: {واللَّهُ خَالِقُ كُلِّ دَابَّةٍ} على الإضافة، فإن قيل: لم قال: {والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ} مع أن كثيراً من الحيوانات لم يُخْلَقْ من الماء، كالملائكة خلقوا من النور، وهم أعظم الحيوانات عدداً، وكذلك الجن وهم مخلوقون من النار، وخلق آدم من التراب لقوله: {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ} [آل عمران: ٥٩] وخلق عيسى من الريح لقوله: {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} [التحريم: ١٢] ونرى كثيراً من الحيوانات يتولد لا عن نطفة؟ فالجواب من وجوه:

أحسنها: ما قال القفال: إنَّ «مَاءٍ» صلة «كُلَّ دَابَّةٍ» وليس هو من صلة «خَلَق» والمعنى: أنَّ كلَّ دَابَّةٍ متولدة من الماء فهي مخلوقة لله تعالى.

وثانيها: أنَّ أصل جميع المخلوقات الماء على ما روي: «أول ما خلق الله جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء، ثم من ذلك الماء خلق النار والهواء والنور» . والمقصود من هذه الآية: بيان أصل الخلقة، وكان أصل الخلقة الماء، فلهذا ذكره الله تعالى.

وثالثها: المراد من «الدَّابَّة» : التي تدب على وجه الأرض، ومسكنهم هنالك، فيخرج الملائكة والجن، ولما كان الغالب من هذه الحيوانات كونهم مخلوقين من الماء، إما لأنها متولدة من النطفة، وإما لأنها لا تعيش إلا بالماء، لا جرم أطلق عليه لفظ الكل تنزيلاً للغالب منزلة الكل.

وقيل: الجار في قوله: «مِنْ مَاء» متعلق ب «خَلَقَ» أي: خَلَقَ مِنْ ماءٍ كُلَّ دَابَّةٍ، و «مِنْ» لابتداء الغاية. ويرد على هذا السؤال المتقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>