فإن قيل: لم نكر الماء في قوله: «مِنْ مَاءٍ» وعرفه في قوله: {مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: ٣٠] ؟
فالجواب: جاء هاهنا منكراً لأنّ المعنى: خلق كلّ دابة من نوع من الماء مختصاً بتلك الدابة، وعرفه في قوله:{مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: ٣٠] لأنّ المقصود هناك: كونهم مخلوقين من هذا الجنس، وهاهنا بيان أنّ ذلك الجنس ينقسم إلى أنواع كثيرة.
قوله:{فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي} . إنما أطلق «مَنْ» على غير العاقل لاختلاطه بالعاقل في المُفَضَّل ب «مِن» وهو «كُلَّ دَابَّةٍ» . وكان التعبير ب «مَنْ» أولى ليوافق اللفظ.
وقيل: لَمَّا وَصَفَهُمْ بِما يُوصف به العقلاء وهو المشيُ أطلق عليها «منْ» وفيه نظرٌ، لأن هذه الصفة ليست خاصةً بالعقلاء، بخلاف قوله تعالى:{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَاّ يَخْلُقُ}[النحل: ١٧] ، وقوله:
وقد تقدَّم خلاف القرَّاء في {خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ} في سورة «إبراهيم» .
واستعير المشي للزَّحف على البطن، كما استعير المشفر للشفة وبالعكس، كما قالوا في الأمر المستمر: قد مشى هذا الأمر، ويقال: فلان ما يمشي له أمر. فإن قيل: لم حصر القسمة في هذه الثلاثة أنواع من المشي، وقد تجد من يمشي على أكثر من