أعلم أنه - تعالى - لما أوجب بقوله «فاذكروني» جميع العبادات، وبقوله:{واشكروا لِي} ما يتصل بالشكر أردفه ببيان ما يعين عليهما، فقال:{استعينوا بالصبر والصلاة} وإنما خصّهما بذلك لما فيهما من المعونة على العبادات.
أما الصبر فهو قَهْر النفس على احتمال المَكَاره في ذات الله - تعالى - وتوطينها على تحمُّل المشاقّ، ومن كان كذلك سهل عليه فعل الطاعات، وتحمل مشاق العبادات، وتجنّب المحظورات.
وأما الصلاة فلقوله تعالى:{إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر}[النعكبوت: ٤٥] .
ومن الناس من حمل الصبر على الصوم.
ومنهم من حمله على الجهاد، لقوله تعالى بعده:{وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ الله أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ}[البقرة: ١٥٤] ولأنه - تعالى - أمره بالتثبت في الجهاد، فقال تعالى:{إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثبتوا}[الأنفال: ٤٥] وبالتثبُّت في الصلاة وفي الدعاء، فقال تعالى:{وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَاّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصرنا عَلَى القوم الكافرين}[آل عمران: ١٤٧] .
فصل في أقسام الصبر وذكر الاستعانة
والقول الأول أولى لعموم اللفظ وعدم تقيّده الاستعانة، ذكر الاستعانة بالصلاة ولم يذكر فيماذا يُسْتعان.
فظاهره يدل على أن الاستعانة في كل الأمور، وذكر الصبر، وهو ينقسم إلى قسمين: