وذلك أن كَعْبَ بنَ الأشْرَف، وفنحَاصَ بن عَازُورَاء من اليَهُودِ قالا لِرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إن كُنْتَ نَبِيّاً فأتِنَا بكِتَابٍ جُمْلةً من السَّماءِ؛ كما أتَى [به] مُوسى - عليه السلام -، فأنزل الله - تعالى -: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الكتاب أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السمآء} . وكان هذا السُّؤال مِنْهُم تَحَكُّماً واقْتِرَاحاً، لا سُؤال انْقِيَادٍ، واللَّه - تعالى - لا يُنَزِّل الآيَاتِ على اقْتِرَاحِ العِبَادِ، والمَقْصُود من الآيَةِ: بيان ما جَبِلوا عليه من التَّعنَّتِ؛ كأنه قِيلَ: إن مُوسَى لمَّا نزلَ عليه كِتَابٌ من السَّمَاءِ، لم يكْتَفُوا بِذلكَ القَدْر، بل طَلَبُوا مِنْهُ الرُّؤيَة على سَبِيلِ المُعَايَنَةِ، فكان طَلَبُ هؤلاءِ الكِتَاب لَيْس لأجْلِ الاسْتِرْشَادِ، بل لمَحْضِ العِنَادِ.