للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لمَّا بيَّن أن أموالهم لا تغني عنهم شيئاً، فربما أنفقوها في وجوه الخير، فيخطر ببالهم أنهم يبتغون بذلك وجه الله، فأزال الله تعالى - بهذه الآية - ذلك الخاطر، وبَيَّن أنهم لا ينتفعون بشيء من تلك النفقات.

والمثل: الشبه الذي يصير كالعلم؛ لكثرة استعماله فيما يشبه به. و «ما» يجوز أن تكون موصولة اسمية وما بعدها محذوف لاستكمال الشروط أي «ينفقونه» . وحاصل الكلام أن كفرهم يبطل ثواب نفقتهم، كما أن الريح الباردة تهلك الزرع.

قوله: {كَمَثَلِ رِيحٍ} خبر المبتدأ، وعلى هذا الظاهر - أعني: تشبيه الشيء المنفق بالريح - استشكل التشبيه؛ لأن المعنى على تشبيهه بالحرث - أي: الزرع - لا بالريح، وقد أجيب عن ذلك بوجوه:

أحدها: أنه من باب التشبيه المركب، بمعنى أنه تقابل الهيئة المجتمعة بالهيئة المجتمعة، وليس تقابل الأفراد بالأفراد كما مر في أول سورة البقرة عند قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ} وهذا اختيار الزمخشري.

ثانيها: أنه من باب التشبيه بين شيئين بشيئين، فذكر أحد المشبَّهين، وترك ذكر الآخر وذكر أحد المشبهين به، فقد حذف من كل اثنين ما يدل عليه نظيره، كما مر في قوله تعالى: {وَمَثَلُ الذين كَفَرُواْ كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ} [البقرة: ١٧١] ، وهو اختيار ابن عطية، قال: «وهذا غاية البلاغة والإعجاز» .

وثالثها: أنه على حذف مضاف، إمَّا من الأول، تقديره: مثل مهلك ما ينفقونه، وإما من الثاني، تقديره: كمثل مهلك ريح، وهذا الثاني أظهر؛ لأنه يؤدِّي - في الأول - إلى تشبيه الشيء المُنْفَق - المُهْلَك - بالريح، وليس المعنى عليه، ففيه عَوْدٌ لما فُرَّ منه.

وذكر أبو حيان التقدير المشار إليه، ولم ينبه عليه اللهم إلا أن يريد ب «مهلك» اسم مصدر، أي: مثل إهلاك ما ينفقون، ولكن يحتاج إلى تقدير مثل هذا المضاف - أيضاً - قبل «رِيح» تقديره: مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح.

وقيل: التقدير: مثل الكفر - في إهلاك ما ينفقون - كمثل الريح المهلكة للحرث.

وقال ابن الخطيب: «لعل الإشارة في قوله: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ} إلى ما أنفقوا في إنذار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في جَمْع العساكر عليه، فكان هذا الإنفاق مهلكاً لجميع ما أتَوْا به من أعمال البر والخير، حينئذ يستقيم التشبيه من غير حاجة إلى إضمار، وتقديم وتأخير، والتقدير: مثل ما ينفقون في كونه مبطلاً لما أتوا به - قبل ذلك - من أعمال البر كمثل ريح فيها صر في كونها مبطلة للحرث» .

وهذا فيه نظر؛ لأن الكفار لا يثبت لهم عملُ برٍّ، حتى تحبطه النفقة المذكورة، قال

<<  <  ج: ص:  >  >>