اعلم أنَّ القوم، لمَّا طالبوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالمعجزاتِ القاهرة، وأجاب الله بأنَّ إظهارها ليس بمصلحةٍ، صار ذلك سبباً لجرأة أولئك الكفار بالطَّعن فيه، وأن يقولوا له: لو كنت رسُولاً حقًّا من عند الله تعالى، لأتيت بهذه المعجزات التي اقترحناها، كما أتى به موسى وغيره من الأنبياء - صلوات الله عليهم -، فعند هذا قوَّى الله قلبه، وبيَّن له أنَّه ينصرهُ، ويؤيِّده، فقال تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس} أي: هم في قبضته لا يقدرون على الخروج عن مشيئته، فهو حافظك منهم، فلا تهبهم، وامضِ لما أمرك به من تبليغ الرِّسالة، كقوله تعالى:{والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس}[المائدة: ٦٧] .
وقيل: المراد بالنَّاسِ أهلُ مكَّة، وإحاطة الله بهم هو أنَّه تعالى يفتحها للمؤمنين؛ فيكون المعنى: وإذ بشَّرناكَ بأنَّ الله أحَاطَ بأهل مكَّة؛ بمعنى أنَّه ينصرك، ويظهر دولتك عليهم؛ كقوله تعالى:{سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر}[القمر: ٤٥] وقوله: {قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ