لما بين حال من يتمسَّكُ بالصِّراط المسْتَقِيم، بيَّن بعده حال من يكُونُ بالضِّدِّ من ذلك؛ ليكون قِصَّة أهْل الجنَّة مُرْدَفَة بقِصَّة أهْل النَّارِ، وليَكُون الوَعِيدُ مذْكُوراً بعد الوَعْدِ.
قوله:«وَيَوْمَ يَحْشُرُهُم» يَجُوز أن يَنْتَصيب بفِعْل مقَدَّر، فقدَّره أبو البقاءِ تارة ب «اذْكُرْ» وتارة بالقَوْلِ المَحْذُوف العَامِل في جُمْلَة النِّداءِ من قوله: «يَا مَعْشَر» أي: ويقُول: «يا مَعْشَر يَوْمَ نَحْشُرُهُم» ، وقدَّره الزَّمَخْشَرِي:«ويَوْمَ يَحْشُرُهم وقلنا يا معشر كان ما لا يُوصَفُ لفظَاعتِهِ» .
قال أبُو حيَّان:«وما قُلْنَاه أوْلَى» يعني: من كَوْنِهِ مَنْصُوباً ب «يَقُولُ» المحكي به جُمْلَة النِّداء، قال:«لاسْتِلْزَامِه حذف جُمْلَتَيْن: إحْداهما جُمْلَة» وقُلْنَا «، والاخْرى العَامِلة في الظَّرْف» وقدَّره الزَّجَّاج بفِعْل قَول مبْنِي للمفْعُول: «يقال لَهُم: يا مَعْشَر يَوْم نَحْشرهُم» وهو مَعْنًى حَسَن؛ كأن نَظَر إلى مَعْنَى قوله:«ولا يُكَلِّمُهُم ولا يُزَكِّيهم» فبَنَاه للمفْعُول، ويجوز أن يَنْتَصب «يَوْمَ» بقوله: «وَلِيُّهُم» لما فِيهِ من مَعْنَى الفِعْل، أي:«وهُوَ يتولَاّهُم بما كَانُوا يَعْمَلُون، وويتولَاّهُم يوم يَحْشُرُهُم» ، و «جَمِيعاً» حَالٌ أو تَوْكِيدٌ على قَوْل بَعْض النَّحْويِّين.
وقرأ حفص:«يَحْشُرُهُم» بياء الغَيْبَة رداً على قوله: «ربهم» أي: «ويوم يَحْشرُهُم ربُّهُم» والضِّمِيرُ في «يَحْشُرُهُم» يعود إلى الجنِّ والإنْسِ بجمعهم في يَوءم القِيامَةِ.
وقيل: يعود إلى الشَّياطين الَّذِين تقدم ذِكْرُهم في قوله: «وكَذَلِك جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيِّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ» .
قوله:«يا مَعْشَر» في مَحَلِّ نصْبٍ بذلك القَوْل المضْمَر، أي:«نقول أو قُلْنَا» ، وعلى تَقْدير الزَّجَّاج يكون في مَحَلِّ رفعٍ؛ لقيامه مقامَ الفَاعِل المَنُوب عَنْهُ، والمعشر: الجَمَاعةَ؛ قال القائل:[الوافر]