قوله تعالى: {يا أيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} الآية.
اعلم: أنهم لمَّا قالوا: {إن سرق فقد سرق أخ له من قبل} ، أحبُّوا موافقته، والعدول إلى طريق الشَّفاعة، وأنهم، وإن كانوا قد اعترفوا بأن حكم الله في السارق أن يستعبد، إلَاّ أنَّ العفو وأخذ الفداء كان أيضاً جائزاً؛ فقالوا: {يا أيها العزيز إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً} ، في السنِّ، ويجوز أن يكون في القدر، والدِّين؛ لأن قولهم: «شَيْخاً» يعلم منه كبر سنه، وإنَّما ذكروا ذلك؛ لأنَّ كونه ابناً لرجلٍ كبير القدرِ يوجب العفو [والصفح] .
قوله: مَكانَهُ «فيه وجهان:
أظهرهما: أنَّ» مَكَانهُ «: نصب [على الظرف] ، والعامل فيه:» خُذْ «.
والثاني: أنه ضمَّن» خُذْ «معنى:» اجْعَلْ «، فيكونُ:» مَكَانهُ «في محلٌ المفعول الثاني.
واقل الزمخشريُّ:» فخُذْ بدله على جهةِ الاسترهانِ؛ حتَّى نردّ الفداء إليك، أو الاستعباد «.
ثم قالوا: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} ، لو فعلت ذلك.
وقيل: من المحسنين إلينا في توفية الكيل، وحسن الضِّيافة، وردِّ البضاعة.
وقيل: من المحسنين في أفعالك، وقيل: لما اشتدّ القحطُ على القوم، ولم يجدوا ما يشترون به من الطَّعام، وكانوا يبيعون أنفسهم، فصار ذلك سبباً لصيرورة أكثر أهل مصر عبيداً له، ثم أعتق الكُلّ قالوا: {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المحسنين} إلى عامة النَّاس بالإعتاق، فكن محسناً أيضاً إلى هذا الإنسان بالإعتاق من هذه المحنة.
فقال يوسف: {مَعَاذَ الله} أي أعوذ بالله معاذاً {أَن نَّأْخُذَ إِلَاّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ} أي أعوذُ باللهِ أن نأخذ بريئاً بمذنب.
قال الزجاج:» موضع «إنْ» نصب، والمعنى: أعوذُ باللهِ من أخذِ أحدٍ بيغره، فلمَّا سقطت كلمة: «مَنْ» تعدَّى الفعل «.
وقوله: {إِنَّآ إِذاً} حرف جواب وجزاء، تقدَّم الكلام [النساء: ٦٧ البقرة: ١٤] على أحكامها.
والعنى: لقد تعدّيت، وظلمت، إن إخذت بريئاً بجُرمٍ صدر من غيره، فقال: