لما أورد إبراهيم - عليه الصَّلاة والسَّلام - الحُجَّة عليهم المذكورة، أورد القوم عليه جُجَجاً على صحة أقوالهم:
منها: أنهم تَمَسَّكُوا بالتقليد، كقولهم:{إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ}[الزخرف: ٢٢] وكقولهم للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: {أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: ٥] وكقول قوم هود: {إِن نَّقُولُ إِلَاّ اعتراك بَعْضُ آلِهَتِنَا بسواء}[هود: ٥٤] فذكروا من جِنْس هذا الكلام، وإلا فالله - تعالى - لم يَحْكِ محاجتهم.
فأجاب الله - تعالى - عن حُجَّتِهِمْ بقوله تعالى - {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أتحاجواني فِي الله} .
قرأ نافع، وابن ذكوان، وهشام بخلاف عنه بنون خفيفة، والباقون بنون ثقيلة، والتثقيل هو الأصل؛ لأن النون الأولى نون الرفع في الأمثلة الخمسة، والثانية نون الوقاية، استثقل اجتماعهما، وفيهما لغات ثلاث: الفَكُّ وتركهما على حالهما، والإدغام، والحذف، وقد قرئ بهذه اللغات كلها في قوله تعالى:{أَفَغَيْرَ الله تأمرونيا}[الزمر: ٦٤] وهنام لم تقرأ إلا بالحذف أو الإدغام، ونافع بالحذف، والباقون يفتحون النون، لأنها عندهم نون رفعن وفي سورة النحل:{تُشَاقُّونَ فِيهِمْ}[آية: ٢٧] بفتح النون عند الجمهور، لأنها نون رفع، وثرؤه نافع بنون مكسورة خفيفة على الحذف، فنافع حذف إحدى النونين في جميع المواضع المذكورة فإنه يقرأ في الزُّمر أيضاً بحذف أحدهما:
وقوله تعالى:{أتعدانني} في الأحقاف [آية: ١٧] قرأه هشام بالإدغام، والباقون بالإظهار دون الحذف.
واختلف النحاة في أيَّتهما المحذوفة؛ فمذهب سيبويه ومن تبعه أن المحذوفة