وَأَقُول: لقَائِل أَن يَقُول: بل إِضْمَار الِاسْم أولى؛ لأَنا إِذا قُلْنَا: تَقْدِير الْكَلَام: بِسم الله ابْتِدَاء كل شَيْء، كَانَ هَذَا إِخْبَارًا عَن كَونه مبدأ فِي ذَاته لجَمِيع الْحَوَادِث، ومخالفا لجَمِيع الكائنات، سَوَاء قَالَه قَائِل، أَو لم يقلهُ، وَلَا شكّ أَن هَذَا الِاحْتِمَال أولى، وَتَمام الْكَلَام يَأْتِي فِي بَيَان أَن الأولى أَن يُقَال: الْحَمد لله وَسَيَأْتِي لذَلِك زِيَادَة بَيَان فِي الْكَلَام فِي الِاسْم إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
فصل فِيمَا يحصر بِهِ الْجَرّ
الْجَرّ يحصل بشيئين:
أَحدهمَا بالحرف؛ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: " بِسم الله ".
وَالثَّانِي: بِالْإِضَافَة؛ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: " الله " من قَوْله " بِسم الله ".
وَأما الْجَرّ الْحَاصِل فِي لَفْظَة " الرَّحْمَن الرَّحِيم " فَإِنَّمَا حصل، لكَون الْوَصْف ثَابتا للموصوف فِي الْإِعْرَاب، فها هُنَا أبحاث:
أَحدهَا: أَن حُرُوف الْجَرّ لم اقْتَضَت الْجَرّ؟
وَثَانِيها: أَن الْإِضَافَة لم اقْتَضَت الْجَرّ؟
وَثَالِثهَا: أَن اقْتِضَاء الْحُرُوف أقوى، أم اقْتِضَاء الْإِضَافَة؟
وَرَابِعهَا: أَن الْإِضَافَة بَين الْجُزْء وَالْكل، أَو بَين الشَّيْء الْخَارِج عَن ذَات الشَّيْء الْمُنْفَصِل؟
قَالَ مكي - رَحمَه الله تَعَالَى -: كسرت الْبَاء من " بِسم الله "؛ لتَكون حركتها مشبهة لعملها؛ وَقيل: كسرت ليفرق بَين مَا يخْفض، وَلَا يكون إِلَّا حرفا؛ نَحْو: الْبَاء، وَاللَّام، وَبَين مَا يخْفض، وَقد يكون اسْما نَحْو: الْكَاف.
وَإِنَّمَا عملت الْبَاء وَأَخَوَاتهَا الْخَفْض؛ لِأَنَّهَا لَا معنى لَهَا إِلَّا فِي الْأَسْمَاء، فَعمِلت الْإِعْرَاب الَّذِي لَا يكون إِلَّا فِي الْأَسْمَاء، وَهُوَ الْخَفْض، وَكَذَلِكَ الْحُرُوف الَّتِي تجزم الْأَفْعَال، إِنَّمَا عملت الْجَزْم؛ لِأَنَّهَا لَا معنى لَهَا إِلَّا فِي الْأَفْعَال، فَعمِلت الْإِعْرَاب الَّذِي لَا يكون إِلَّا فِي الْأَفْعَال، وَهُوَ الْجَزْم.
وَالْبَاء - هُنَا - للاستعانة؛ ك " عملت بالقدوم "؛ لِأَن الْمَعْنى: أَقرَأ مستعينا بِاللَّه، وَلها معَان أخر تقدم الْوَعْد بذكرها وَهِي:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute