الواو في قوله:«وَإذْ قَالَ» واو عَطْفٍ، وهو مُتَّصِلٌ بقوله:{وَلَقَدْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ بني إِسْرَآئِيلَ}[المائدة: ١٢] ، كأنَّهُ قيل: أخَذَ عَليْهِم الميثاق، وذكر مُوسى نِعَم الله وأمَرَهُم بمحارَبةِ الجَبَّارين، فَخَالَفُوا المِيثَاقَ، وخالَفُوا في مُحَارَبَة الجَبَّارين.
واعلم: أنَّه تعالى مَنَّ عليهم بثلاثَةِ أمُورٍ:
أوَّلها: جعل فيهم أنْبيَاء؛ لأنَّه ما بَعَثَ في أمَّة ما بَعَث في بَنِي إسْرائيل من الأنْبِيَاء، فمنهم السَّبْعُون الذين اخْتَارَهُم مُوسَى من قَوْمِه فانْطَلَقُوا مَعَهُ إلى الجَبَلِ، وكانوا من أوْلَادِ يَعْقُوبَ بن إسْحَاق بن إبراهيم، وهؤلاءِ الثَّلاثةُ من أكَابِر الأنْبِياء بالاتِّفَاق، وأوْلَادُ يَعْقُوب - أيضاً - كانوا أنْبِيَاء على قَوْل الأكْثَرِين، والله تعالى أعلم مُوسَى أنَّهُ لا يَبْعَثُ من الأنْبِيَاء إلا من وَلَدِ يَعْقُوب ومن وَلَدِ إسْمَاعيل، [فهذا الشَّرَفُ] حَصَلَ بمن مَضَى من الأنْبِيَاء، وبالَّذِين كانوا حَاضِرِين مع مُوسَى، وبالَّذين أخْبر الله مُوسَى أنَّه يَبْعَثُهُم من وَلَدِ يَعْقُوب وإسْمَاعِيلَ بعد ذَلِك.
وثانيها: قوله «وَجَعلَكُمْ مُلُوكاً» ، قال ابن عبَّاس: أصْحَاب خدم وحَشَمٍ.
قال قتادةُ: كانوا أوَّل من مَلَك الخدم، ولم يَكُنْ قَبْلَهم خَدَمٌ، وعن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ عن النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«كان بنو إسرائيل إذا كان لأحَدٍ خَادِمٌ وامْرَأةٌ ودَابَّة يُكْتَبُ مَلِكاً» .
وقال أبُو عَبْد الرَّحْمَن السُّلَمي: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْن عمرو بن العَاصِ، وسأله رَجُل فَقالَ: ألَسْنََا فُقَراء المُسْلمين المُهَاجِرِين؟ فقال لَهُ عَبْدُ الله:«ألَكَ امْرَأةٌ تَأوِي إلَيْهَا؟ قال: نَعَمْ، قال: ألَكَ سَكَنٌ تَسْكُنُه؟ قال: نَعَمْ، قال: فأنْتَ من الأغْنِيَاء، قال: لِي خَادِمٌ، قال: فأنت من المُلُوكِ» .