قوله:{بلى} جواب لقولهم: «لَيْسَ» وإيجاب لما نفوه. وتقدم القول في نظيره.
قال ابن الخطيبِ: وعندي الوقف التام على «بلى» ثم استأنف.
وقيل: إن كلمة «بلى» كلمة تُذْكَر ابتداءً لكلام آخرَ يُذكَر بعده؛ لأن قولَهم: ليس علينا فيما نفعل جناحٌ قائمٌ مقام قولهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة: ١٨] فذكر - تعالى - أن أهل الوفاءِ بالعهد والتقى هم الذين يحبهم الله تعالى - لا غيرهم - وعلى هذا الوجه، فلا يَحْسُن الوقف على «بلى» اه.
و «مَنْ» شرطية، أو موصولة، والرابط بين الجملة الجزائية، أو الخبرية هو العموم في {الْمُتَّقِينَ} وعند من يرى الربط بقيام الظاهر مقام المضمر يقول ذلك هنا.
وقيل: الجزاء، أو الخبر محذوف، تقديره: يحبه الله، ودل على هذا المحذوف قوله:{فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} وفيه تكلُّفٌ لا حاجةَ إليه.
قال القرطبيُّ:«مَنْ» رفع بالابتداء، وهو شرط، و «أوفى» في موضع جزم «واتَّقَى» معطوف عليه، واتقى الله، ولم يكذب، ولم يستحل ما حرم عليه {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} أي يحب أولئك.
و «بعهده» يجوز أن يكون المصدر مضافاً لفاعله على أن الضمير يعود على «مَنْ» . أو مضافاً إلى مفعوله على أنه يعود على «اللهِ» ويجوز أن يكون المصدر مضافاً للفاعل وإن كان الضمير لله تعالى وإلى المفعول وإن كان الضمير عائداً على «مَنْ» ومعناه واضح عند التَّأمُّلِ.
فإن قيل: بتقدير أن يكون الضميرُ عائداً إلى الفاعل، وهو «مَنْ» فإنه يدل على أنه لو وفى أهل الكتاب بعهودهم وتركوا الخيانةَ، فإنهم يكتسبونَ محبة اللهِ.
فالجواب أن الأمر كذلك، فإنهم إذا وفوا بالعهود، فأول ما يوفون به العهد الأعظم، وهو ما أخذَ الله عليهم في كتابهم من الإيمان بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وبما جاء به، وهو المراد بالعهد في هذه الآية قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً، وَمَنْ كَانتْ فيه وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خصلَةٌ مِن النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذا ائتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حدَّث كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذَا خَاصَم فَجرَ» .