للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وهذا نوع ثالث على كمالِ القُدْرةِ.

فقوله: {َهُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ النجوم} الظاهر أن «جعل» بمعنى «خَلَق» ، فتكون متعديةً لواحد، و «لكم» متعلّق ب «جعل» ، وكذا «لِتَهْتَدُوا» .

فإن قيل: كيف يتعلّق حَرْفا جَرِّ متحدان في اللفظ والمعنى؟

فالجواب: أن الثَّاني بدلٌ من الأوَّل بدل اشتمال بإعَادَةِ العامل، فإن «ليهتدوا» جَارّ ومجرور؛ إذ اللام لام «كي» ، والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» عند البصريين، وقد تقدَّم تقريره. والتقدير: جعل لكم النجوم لاهتدائكم، ونطيره قوله: {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} [الزخرف: ٣٣] ف «لبيوتهم» بدل «لمن يَكْفُرُ» بإعادة العامل.

وقال ابن عطية: «وقد يمكن أن يكون بمعنى» صَيَّر «، ويُقدَّرُ المفعول الثاني من» لتهتدوا «أي: جعل لكم النجوم هِدَايَةً» .

قال أبو حيَّان: «وهو ضعيف لندور حذف أحد مفعولي» ظَنَّ «وأخواتها» .

قال شهابُ الدين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لم يَدَّع ابن عطية المفعول الثاني حتى يجعله ضعيفاً، إنما قال: إنه [بدل] من «لتهتدوا» ، أي: فَيُقَدَّرُ مُتعلِّقُ الجار الذي وقع مفعولاً ثانياً، كما يُقَدَّرُ في نظائره، والتقدير: جعل لكم النجوم مُسْتَقِرَّةً أو كائنة لاهتدائكم.

وأما قوله: «جعَل لَكُمُ النُّجُوم» هداية فلإيضاحِ المعنى وبيانه.

والنجوم مَعْرُوفَةٌ، وهي جمع «نَجْم» ، والنَّجْمُ في الأصل مصدر؛ يقال: نجم الكوكب ينجم نجماً ونجوماً، فهو ناجمٌ، ثم أطْلِقَ على الكواكب مجازاً، فالنجم يستعمل مرة اسماً للكوكب ومرة مصدراً، والنجوم تُسْتَعْملُ مَرَّةً للكواكب وتارة مصدراً ومنه نَجَمض النَّبْتُ؛ أي: طلع، ونجم قَرْنُ الشاة وغيرها، والنجم من النبات ما لا سَاقَ له، والشجر ما له ساق، والتَّنْجِيمُ: التفريق، ومنه نجوم الكتابة تشبيهاً بتفرق الكواكب.

فصل في معنى الآية

معنى الآية الكريمة: خَلَقَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا إلى الطرق والمسالِكِ في ظلمات البر والبحر، حيث لا يرون شَمْساً ولا قَمَراً، وهو أن السَّائِرَ في البحر والقِفَارِ يهتدي بها

<<  <  ج: ص:  >  >>