قوله تعالى:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ} من الآية.
لمَّا بيَّن أنَّ الأمم المتقدمين حلَّ بهم عذاب الاستئصال، بيَّن أنَّ السبب فيه أمران:
الأول: أنه ما كان فيهم قوم ينهون عن الفساد في الأرض، فقال:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ القرون مِن قَبْلِكُمْ} ، «لوْلَا» تخضيضيه دخلها معنى التَّفجُّع عليهم، وهو قريبٌ من مجاز قوله تعالى:{ياحسرة عَلَى العباد}[يس: ٣٠] وما يروى عن الخليل - رَحِمَهُ اللَّهُ - أنه قال: كل ما كان في القرآن من «لَوْلَا» فمعناه «هَلَاّ» إلَاّ التي في الصافات «لوْلَا أنَّهُ» ، لا يصحُّ عنه لورودها كذلك في غير الصافات {لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ}[القلم: ٤٩]{وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ}[الإسراء: ٧٤]{وَلَوْلَا رِجَالٌ}[الفتح: ٢٥] .
و «مِنَ القُرونِ» يجوز أن يتعلَّق ب «كان» ؛ لأنَّها هنا تامَّة، إذا المعنى: فهلَاّ وُجِد من القُرونِ، أو حدث، أو نحو ذلك، ويجُوزُ أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من:«أُولُوا بقيَّةٍ» لأنه لو تأخَّر عنه لجاز أن يكون نعتاً لهُ، و «مِن قَبْلِكُم» حالٌ من «القُرُون» و «يَنْهَون» حالٌ من «أولوا بقيَّة» لتخصُّصه بالإضافةِ، ويجوز أن يكون نعتاً ل «أُولُوا بقيَّّةٍ» وهو أولى.
ويضعفُ أن تكون «كان» هذه ناقصة لبُعْد المعنى من ذلك، وعلى تقديره يتعيَّن تعلُّق «من القُرونِ» بالمحذُوف على أنَّهُ حالٌ؛ لأنَّ «كَانَ» النَّاقصة لا تعملُ عند جمهورالنُّحاةِ، ويكون «يَنْهَوْنَ» في محلِّ نصب خبراً ل «كان» .
وقرأ العامَّةُ «بقيَّة» بفتح الباء وتشديد الياءِ، وفيها وجهان:
أحدهما: أنَّها صفةٌ على «فَعِيلة» للمبالغةِ، بمعنى «فاعل» ؛ وذلك دخلت التَّاءُ فيها، والمرادُ بها حينئذٍ الشيء وخياره، وإنَّما قيل لجنْدِه وخياره:«بقيَّة» في قولهم: فلان بقيةُ النَّاس، وبقيةُ الكرام؛ لأنَّ الرَّجُل يستبقى ممَّا يخرجه أجوده وأفضله والرجل يبقى بعده ذكر جوده وفضله؛ وعليه حمل بيتُ الحماسِة:[البسيط]