الحِلّ بمعنى: الحَلالَ، وهو - في الأصل - مصدر لِ «حَلَّ يَحِلُّ» ، كقولك: عز يعز عزًّا، ثم يطلق على الأشخاص، مبالغة، ولذلك يَسْتَوي فيه الواحدُ والمثنَّى والمجموعُ، والمذكَّرُ والمؤنثُ، كقوله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة: ١٠] ، وفي الحديث عن عائشة:«كُنْتُ أطيِّبُ رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لِحِلِّه ولِحَرَمِهِ» ، أي لإحلاله ولإحرامه، وهو كالحرم واللبس - بمعنى: الحرام واللباس - وقال ابن عباس - في زمزم -: هي حِلٌّ وبِلٌّ. رواه سفيان بن عُيَيْنَة، فسئل سفيان، ما حِلّ؟ فقال: محَلَّل. و «لِبَني» : متعلق ب «حِلاًّ» .
قوله:{إِلَاّ مَا حَرَّمَ} مستثنى من اسم «كَانَ» .
وجوَّز أبو البقاء أن يكون مستثنًى من ضمير مستتر في «حِلاًّ» فقال لأنه استثناء من اسم «كَانَ» والعامل فيه: «كان» ، ويجوز أن يعمل فيه «حِلاًّ» ، ويكون فيه ضمير يكون الاستثناء منه؛ لأن حِلاًّ وحلالاً في موضع اسم الفاعل بمعنى الجائز والمباح.
وفي هذا الاستثناء قولان:
أحدهما: أنه متَّصل، والتقدير: إلا ما حرَّم إسرائيل على نفسه، فحرم عليهم في التوراة، فليس فيها ما زادوه من محرمات، وادَّعَوْا صحةَ ذلك.
والثاني: أنه مُنْقَطِع، والتقدير: لكن حرم إسرائيلُ على نفسه خاصَّةً، ولم يحرمه عليهم، والأول هو الصحيح.
قوله:{مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التوراة} فيه وجهان:
أحدهما: انه متعلق ب «حَرَّم» أي: إلا ما حرَّم من قبل، قاله أبو البقاء.
قال أبو حيان:«ويبعد ذلك؛ إذ هو من الإخبار بالواضح؛ لأنه معلوم أن الذي حَرَّم إسرائيل على نفسه، هو من قبل إنزال التوراة ضرورةً؛ لتباعد ما بين وجود إسرائيل وإنزال التوراة» .