قد تقدم أنَّ «يَحْزُن» يُقْرأ بفتح الياءِ وضمِّها وأنهما لُغتانِ، وهل هما بمعنًى، أو بينهما فَرْقٌ.
والنَّهْيُ للنبيّ في الظاهرِ، وهو مِنْ بابِ قوله:«لا أرَيَنَّك هاهُنَا» ، أي: لا تَتَعَاطَ أسباباً يحصلُ لك بها حُزْنٌ من جهتِهم، وتقدم لك تحقيقُ ذلك مِرَاراً.
وقولُ أبي البقاءِ في «يَحْزُنْكَ» : «والجيدُ فتحُ الياءِ وضمُّ الزَّاي، ويُقْرأ بِضَمِّ الياءِ، وكسر الزَّاي مِنْ: أحْزَنَنِي وهي لغةٌ» - لَيْسَ بجيِّدٍ؛ لأنها قراءةٌ متواترةٌ، وقد تقدَّم دليلُها في آل عمران [الآية ٧٦] . و «يسارعون» من المسارعة، و «فِي الكفر» متعلقٌ بالفعل قبلهُ، وقد تقدم نظيرُها في آل عمران. واعلمْ أنه تعالى خاطب النبيَّ عليه الصلاةُ والسلام بقوله تعالى:{ياا أَيُّهَا النبي} في مواضِعَ كثيرةٍ، ولم يخاطِبْهُ بقوله:{ياأيها الرسول} إلاّ في موضِعَيْنِ في هذه السورة.
أحدهما: هاهُنا، والثانية:{ياأيها الرسول بَلِّغْ}[المائدة: ٦٧] وهذا خطابُ تشريفٍ وتعظيمٍ.
واعلمْ أنه تعالى لما بيَّن بعضَ التكاليف والشرائعِ، وكان قد علم من بعضِ النَّاسِ المسارعةَ إلى الكفرِ لا جَرَمَ صبَّر رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - على تَحَمُّلِ ذلك، وأمرهُ بأنْ لا يَحْزنَ لأجلِ ذلك أيْ: لا تَهْتَمَّ ولا تُبَالِ بمسارعةِ المنافقينَ في الكفرانِ في موالاةِ الكُفارِ، فإنهم لَنْ يُعْجِزُوا اللَّه شيئاً.
قوله تعالى:{مِنَ الذين قالوا} يجوزُ أنْ يكُون [حالاً من] الفاعل في «يسارِعُون» أيْ: يُسارعون حال كونهم بعضَ الذينَ قالُوا، ويجوزُ أنْ يكون حالاً من نفسِ الموصُول، وهو قريبٌ من مَعْنى الأولِ، ويجُوزُ أن يكُونَ «منْ» بياناً لجنسِ الموصُولِ الأولِ، وكذلك «من» الثانية، فتكون تَبْييناً وتَقْسِيماً للذين يُسارعون في الكُفْرِ، ويكون «سمَّاعُون» على هذا خَبَر مُبْتَدأ محذُوفٍ و «آمنَّا» منصوبٌ ب «قالوا» [و «أفْواهِهمْ» متعلقٌ ب «قالوا» لا ب «آمَنَّا» ] بمعنى أنه لم يُجاوزْ قولهم أفْواهَهُمْ، إنَّما نَطَقُوا بِهِ غير مُعْتقدِين له بقلوبهم. وقوله:{وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} جملةٌ حاليَّةٌ.
قال بعضُ المفسِّرين: فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، والتقديرُ: مِنَ الذينَ قالُوا: آمَّنا بأفْواهِهمْ ولَمْ تُؤمِن قُلُوبُهُم، وهؤلاءِ هُم المنافِقُونَ.