قوله - جل وعلا -: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة} إلى آخر السورة لما تكَلَّم [في] أوَّل السُّورَة [في] أحْكَام الأمْوَالِ، خَتَمَها بذلِك الآخِرِ مشاكلاً للأوَّل، ووسَطُ السُّورةِ مُشْتَمِلٌ على المُنَاظَرَة مع الفرقِ المُخَالِفِين في الدِّينِ.
قال المفسرون: نزلت في جابر بن عبد الله، قال: عَادَني رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ [وشرف وكرم وعظم] ، وأنا مَرِيضٌ لا أعْقِل، فَتَوَضَّأ وصبَّ من وُضوئه عليَّ، فعَقَلْتُ، فَقُلْت: يا رسُول الله، لِمن المِيرَاثُ، إنَّهُما يَرِثُنَي كلالة، فنزلت {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الكلالة} . ومعنى: يَسْتفتُونَك: يَسْتَخْبِرُونَك، قال البَرَاء بن عَازِب: هذه آخر آية نَزَلَتْ من القُرْآن.
قال القرطبي: كذا قال في مُسْلم، وقيل أنزلَتْ في النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
قوله سبحانه وتعالى:{فِي الكلالة} : متعلق ب «يُفْتيكُم» ؛ على إعمال الثاني، وهو اختيار البصريّين، ولو أعْمَلَ الأولَ، لأضمرَ في الثاني، وله نظائرُ في القرآن:{هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ}[الحاقة: ١٩] . {آتوني أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً}[الكهف: ٩٦]{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله}[المنافقون: ٥]{والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ}[البقرة: ٣٩] ، وقد تقدَّم الكلامُ فيه في البقرة، وتقدَّم الكلام في اشتقاق الكلالة في أوَّل هذه السُّورة [النساء: ١٢] ، وقوله:{إِن امرؤ} كقوله: {وَإِنِ امرأة}[النساء: ١٢٨] . و «هَلَكَ» جملةٌ فعليةٌ في محلِّ رفع صفة ل «امْرُؤٌ» .
و {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} جملةٌ في محلِّ رفعِ أيضاً صفةً ثانية، وأجاز أبو البقاء أن تكون هذه الجملةُ حالاً من الضمير في «هَلَكَ» ، ولم يذكر غيره، ومنع الزمخشريُّ أن تكون حالاً، ولم يبيِّن العلةَ في ذلك، ولا بيَّن صاحب الحال أيضاً، هل هو «امْرُؤٌ» أو الضميرُ