لما بيَّن في الآية الأولى الأسباب الموجبة في مداولة الأيام، ذكر في هذه الآية ما هو السبب الأصليّ لذلك، فقال:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة} بدون تحمُّل المشاق؟
وفي «أم» - هذه - أوجه:
أظهرها: أنها منقطعة، مقدَّرة ب «بل» ، وهمزة الاستفهام ويكون معناه الإنكار عليهم.
وقيل:«أمْ» بمعنى الهمزة وحدها، ومعناه كما تقدم التوبيخ والإنكار.
وقيل: هذا الاستفهام معناه النهي.
قال أبو مسلم:«إنه نهي وقع بحرف الاستفهام الذي يأتي للتبكيت، وتلخيصه: لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة، ولم يقع منكم الجهاد، وهو كقوله:{أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}[العنكبوت: ٢] وافتتح الكلام بذكر» أم «التي هي أكثر ما تأتي في كلامهم واقعة بين ضربين يشك في أحدهما، لا يعينه، يقولون: أزيد ضربت أم عمراً؟ مع تيقُّن وقوع الضرب بأحدهما، قال: وعادة العرب أن يأتوا بهذا الجنس من الاستفهام توكيداً، فلما قال:{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا}[آل عمران: ١٣٩] كأنه قال: أفتعلمون أن ذلك كما تُؤمَرون به أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدةٍ وَصَبْر؟» .
وقيل: هي متصلة.
قال ابنُ بَحْر:«هي عديلة همزة تقدر من معنى ما تقدم، وذلك أن قوله:{إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ}[آل عمران: ١٤٠] و {وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس}[آل عمران: ١٤٠] إلى آخر القصة يقتضي أن نتبع ذلك أتعلمون أن التكليف يوجب ذلك أم حسبتم أن تدخلوا الجنة من غير اختبار وتحمُّل مشقة، وأن تجاهدوا، فيعلم الله ذلك منكم واقعاً» .
و «أحسب» - هنا - على بابها من ترجيح أحد الطرفين، و {أَن تَدْخُلُواْ} ساد مسد المفعولين - على رأي سيبويه - ومسد الأول، والثاني: محذوف - على رأي الأخفش.