وهذا من شُبُهَاتِ مُنْكِرِي نُبُوَّةِ محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لأنهم قالوا: لو كان رَسُولاً من عند الله فَهَلَاّ أنْزِلَ عليه آيَةٌ قَاهِرةٌ.
روي أنَّ بعض المُلْحِدَةِ طعن فقال: لو كان مُحَمَّدٌ قد أُوتِيَ بآية مُعْجِزَةِ لما صَحَّ أن يقول أولئك الكُفَّار: لولا نُزِّل عليه آيَةٌ، ولما قال:«قُلْ إنَّ الله قادر على أن ينزل آية»
والجواب أن القرآن مُعْجِزَةٌ قاهرة وبَيِّنَةٌ باهرة؛ لأنه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - تَحَدَّاهُمْ به فَعَجَزُوا عن مُعَارضَتِهِ، فَدَّلَ على كونه مُعْجزاً.
فإن قيل: فإذا كان الأمر كذلك، فكيف قالوا:«لولا أُنْزِلَ عليه آية من ربّه» .
فالجواب من وجوه:
الأول: لَعَلَّ القوم طَعَنُوا في كَوْنِ القرآن مُعْجِزَةً على سبيل اللِّجَاجِ والعِنَادِ، وقالوا: إنه من جِنْسِ الكتب، والكتاب لا يكون من جِنْسِ المُعْجِزَاتِ كالتَّوْرَاةِ والإنجيل والزَّبُورِ، فلأحل هذه الشُّبْهَةِ طلبوا المُعْجِزَةَ.
الثاني: أنهم طلبوا مُعْجِزَاتٍ [قاهرة] من جِنْسِ مُعْجِزَاتِ سَائِرِ الأنبياء مثل «فلق البحر» و «إظْلال الجَبَل» و «إحْيَاء الموتى» .
الثالث: أنهم طلبوا مَزيد الآياتِ على سبيل التَّعَنُّتِ واللِّجَاجِ مثل إنْزَالِ الملائكة، وإسْقاطِ المساء كِسَفاً.
الرابع: أن يكون المراد ما حَكَاهُ الله عن بعضهم في قوله: {وَإِذْ قَالُواْ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأنفال: ٣٢] .