«لم» أصلها «لِمَا» لأنها «ما» التي للاستفهام، دخلت عليها اللامُ، فحُذِفت الألف؛ لطلب الخفة لأن حرف الجر صار كالعِوَضِ عنها، ولأنها وقعت طرفاً، ويدل عليها الفتحة؛ وعلى هذا قوله تعالى:{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}[النبأ: ١] وقوله: {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ}[الحجر: ٥٤] والوقف على [هذه الحروف] يكون بالهاء نحو فَبِمَهْ، لِمَهْ.
قوله:{بِآيَاتِ الله} فيه وُجُوهٌ:
أحدها: أن المراد بها ما في التوراة والإنجيل، وعلى هذا يُحْتَمل أن يكون المراد ما في هذين الكتابين من البشارة بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ونَعْتِه، ويحتمل أن يكون المرادُ بما في هذين الكتابين من أن إبراهيمَ كان حنيفاً مسلماً.
ويحتمل أن يكون ما فيهما من أن الدين عند اللهِ الإسْلَامُ؛ وقائل هذا القول المحتمل لهذه الوجوه، يقول: إن الكفرَ بآيات الله يحتمل وجهين:
أحدهما: أنهم ما كانوا كافرين بالتَّوْرَاةِ، بل كانوا كافرين بما تدل عليه التوراةُ، فأطلق اسْمَ الدليل على المدلول، على سبيل الْمَجَازِ.
الثاني: أنهم كانوا كافرين بنفس التوراة؛ لأنهم كانوا يُحَرِّفُونها، وكانوا يُنَكِرون وجودَ تلك الآياتِ الدالةِ على نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
الوجه الثاني: أن المراد بآيات الله [هو] القرآن وبيان نعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} أن نعته مذكور في التوراة والإنجيل، وتُنْكِرون عند العوام كَوْنَ القرآنِ معجزةٌ، ثم تشهدون بقلوبكم وعقولكم بكونه معجزاً.
الوجه الثالث: أن المراد بآياتِ الله جملة المعزات التي ظهرت على يد [النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعلى هذا قوله: {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} معناه: وأنكم لما اعترفتم بدلالة المعجزاتِ التي ظهرت على] سائر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - الدالة على صدقهم، من حيث إنَّ المعجز قائم مقام التصديق من الله وإذا شهدتم بأن المعجز دليل على صدق الأنبياء عليهم السلام، وأنتم قد شاهدتم المعجز في حق محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فكان إصرارُكم على إنكار نبوته ورسالته مناقضاً لما شهدتم بحقيقته من دلالةِ معجزات سائر الأنبياء - عليهم السلام -.