قوله:«إِنَّمَا أُمِرْتُ» أي: قل يا محمد إنما أمرت (أي: أمرت) أن اخص الله وحده بالعبادة، ثم إنه تعالى وصف نفسه بأمرين:
أحدهما: أنه رب هذه البلدة، والمراد مكة، وإنما خصها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها لأنها احب بلاده ليه وأكرمها، عليه، وأشار إليها إشارة تعظيم لها دالاً على أنها وطن نبيه ومهبط وحيه.
قوله:«الَّذِي حَرَّمَهَا» هذه قراءة الجمهور صفة للربِّ، وابن مسعود وابن عباس «الَّتِي» صفة للبلدة، والسياق إنما هو للرب لا للبلدة، فلذلك كانت قراءة العامة واضحة. والمعنى: جعلها الله حرماً آمناً لا سفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصطاد صيدها ولا يختلأ خلاؤها، وله كل شيء خلقاً وملكاً، وإنما ذكر ذلك لأن العرب كانوا معترفين بكون مكة محرمة، وعلموا أن تلك الفضيلة ليست من الأصنام بل من الله فكأنه قال: لما علمت وعلمتهم أنه سبحانه هو المتولي لهذه النعم وجب عليّ أن أخصه بالعبادات، و {أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين} لله.
قوله:{وَأَنْ أَتْلُوَ القرآن} العامة على إثبات الواو بعد اللام، وفيها تأويلان:
أظهرهما: أنه من التلاوة وهي القراءة، وما بعده يلائمه.
والثاني: من التلو وهو الاتباع كقوله: {واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ}[يونس: ١٠٩] ، وقرأ عبد الله:«وَأَنِ اتْلُ» أمراً له عليه السلام، ف «أنْ» يجوز أن تكون المفسرة وأن تكون المصدرية، وصلت بالأمر، وتقدم ما فيه.
فصل
المعنى: وأمرت أن أتلوَ القرآن، ولقد قام بذلك صلوات الله عليه وسلامه أتم قيام «فَمَن اهْتَدَى» فيما تقدم من المسائل، وهي التوحيد والحشر والنبوة، {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي