أحدهما: أن يكون متَّصِلاً، والمُسْتَثْنى منْه هو الضَّميرُ في «يلعنُهم» .
والثاني: أن يكُونَ منقطعاً؛ لأنَّ الَّذين كَتَمُوا، لُعِنُوا قَبْل أَنْ يَتُوبُوا. وإنَّما جَاءَ الاستثناءُ؛ لبَيَانِ قَبْول التَّوْبَةِ؛ لأنَّ قَوْماً من الكاتِمِينَ لَمْ يُلْعَنُوا، نقل ذلك أبو البَقَاء.
قال بعضُهُمْ:«ولَيْسَ بشَيْءٍ» .
فَصْل
اعلَمْ أنَّه تعالى لَمَّا بيَّن عظيمَ الوَعِيدِ، فكان يجوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الوعيدَ يلحقُهُمْ على كُلِّ حالٍ، فبيَّن تعالَى أَنَّهُمْ إذا تابُوا، تغيَّر حُكْمُهم، ودَخَلُوا في أهْلِ الوعْدِ. والتَّوْبةُ عبارةٌ عن النَّدَم على فِعْلِ القبيح لقُبْحِهِ، لا لِغَرَضٍ سِوَاه؛ لأنَّ مَنْ لم يَرُدَّ الوديعَة، ثم ندمِ للَوْمِ الناس وذمِّهم، أو لإِنَّ الحاكم رَدَّ شهادتَهُ لم يكُنْ تائباً، وكَذَلِكَ، لو عَزَمَ على رَدِّ الودائعِ والقيام بالواجِبَاتِ؛ لكي تُقْبَلَ شهادتُهُ أو يُمْدَحَ بالثَّنَاءِ علَيْه، لم يكن تائِباً وهذا مَعْنَى الإِخْلَاّص في التوبة ثم بيَّن تعالى أنه لا بُدَّ له بَعْدَ التوبة مِنْ إصْلاح ما أفْسَدَهُ مثلاً، لو أفْسَد على رجُلِ دِينَهُ بإيرادِ شُبْهَةٍ عَلْيه، يلْزَمُه إزالَة تِلْكَ الشُّبْهَةِ، ثمَّ بيَّن بأنه يجبُ علَيْه بعْدَ ذلك أَنْ يَفْعَلَ ضِدَّ الكِتْمَانِ، وهُو البَيَانُ بقَوْله «وَبَيَّنُوا» فدلَّت الآيةُ على أنَّ التَّوْبة لا تَحْصُلُ إلَاّ بِتَرْكِ كُلِّ ما ينبغي.
وقيلَ: بَيَّنوا تَوْبَتَهُمْ وصَلَاحَهُم. قال ابْنُ الْخَطِيبِ: قالَتِ المُعْتَزِلةُ: الآيةُ تَدُلُّ على أَنَّ التَّوْبة عن بَعْضٍ المعاصِي مع الإصْرَارا عَلى البَعْضِ لا تَصِحُّ؛ لأن قوله «وَأَصْلَحُوا» عامٌّ في الكلِّ.