قرأ الجمهور:«يَهْد» بالياء من تحت، وفي فاعله حينئذ ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنَّهُ المصدرُ المؤوَّلُ من «أن» وما في حيِّزها، والمفعول محذوفٌ، والتقديرُ: أو لم يهد أي يبين ويوضح للوارثين مآلهم وعاقبة أمرهم، وإصابتنا إيَّاهُم بذنُوبِهم لو شئنا ذلك، فقد سبكنا المصدر من «أنْ» ومن جواب لو.
والثاني: أنَّ الفاعل هو ضميرُ الله تعالى، أي: أو لم يبيِّن الله ويُؤيِّدُه قراءةُ من قرأ «نَهْدِ» بالنون.
الثالث: أنَّهُ ضمير عائدٌ على ما يفهم من سياق الكلام، أي: أو لم يهد ما جرى للأمم السَّالِفَةِ كقولهم: إذَا كَانَ غَداً فأتني أي: إذا كان ما بيني وبينكَ مما دلَّ عليه السِّياق.
وعلى هذين الوجهين، ف «أنْ» وما في حيِّزها بتأويلِ مصدر كما تقدَّم في محلِّ المفعُولِ والتَّقديرُ: أو لم يبين ويوضِّح الله أو ما جرى لأمم إصابتنا إيَّاهُم بذنوبهم أي: بعقاب ذُنُوبِهِم لو شئنا ذلك.
وقرأ مُجاهدٌ وقتادةُ ويعقوبُ:«نَهْدِ» بنون العَظَمَةِ و «أنْ» مفعولٌ فقط، و «أنْ» هي المخفَّفةُ من الثَّقيلة و «لَوْط فاصلةٌ بينها وبين الفِعْلِ، وقد تقدَّم أنَّ الفصل بها قليل.
و» نَشَاءُ «وإن كان مُضَارعاً لفظاً فهو ماضٍ معنى؛ لأنَّ» لو «الامتناعية تخلِّصُ المضارع للمُضِيِّ.
وفي كلام ابن الأنْبَاريِّ خلافه، فإنَّهُ قال في» ونَطْبَعُ «:» هذا فعل مستأنفٌ ومنقطعٌ مما قبله؛ لأنَّ قوله:«أصَبْنَا» ماضٍ و «نَطْبع» مستقبل ثم قال: ويجوزُ أن يكون معطوفاً على «أصَبْنَا» إذ كان بمعنى نُصِيبُ، والمعنى:«لو يَشَاءُ يصيبهم ويطبع» ، فوضع الماضي موضعَ المستقبلِ عند وضوح معنى الاستقبال كقوله تعالى:{إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ}[الفرقان: ١٠][أي:] يجعلُ، بدليل قوله:«ويَجْعَل لَكَ» ، وهذا ظَاهِرٌ قَوِيٌّ في أن «لَوْ» هذه لا تخلِّصُ المضارع للمضيّ، وتنظير بالآية الأخْرَى مُقَوِّل أيضاً، وسيتي تحقيقُ ذلك عند قوله:«ونَطْبَعُ»