«جعلنا» فيه سِتَّةُ أوْجُهٍ، وذلك يَسْتَدْعِي مقدِّمَةً قبله، وَهُوَ أنّ «كُلّ» لا بدَّ لَهَا مِنْ شَيْءٍ تُضَافُ إليْهِ.
قال القُرْطُبِيُّ:«كُلّ» في كلام العربِ مَعْناهَا: الإحَاطَةُ والعموم، فإذا جَاءَتْ مُفْرَدَة، فلا بدَّ وأن يكُونَ في الكَلَامِ حَذْفٌ عند جميع النحويين «.
واختلفوا في تقديرهِ: فقيل تقدِيرُهُ: ولكلِّ إنسان.
وقيل: لِكُلِّ مال، وقيل: لِكُلِّ قوم، فإنْ كانَ التَّقْديرُ: لكل إنسان، ففيه ثلاثة أوجه:
وقيل: تَقْدِيرُهُ: ويتعلق» مِمَّا تَرَك «ب» مَوَالي «لما فيه من معنى الوراثة، و» موالي «: مَفْعُولٌ أوَّ ل» جَعَلَ «، و» جَعَلَ «بمعنى:» صَيَّر «، و» لِكُلّ «جار ومجرور هو المفعول الثَّاني، قُدِّم على عامِلِهِ، ويرتفع» الوِلْدَان «على خبر مبتدأ محذوف، أو بفعل مقدّر، أي: يرثون مما [ترك] ، كأنه قيل: ومَنْ الوارثُ؟ فقيل: هم الوَالِدَان والأقْرَبُون، والأصل:» وجعلنا لكل ميت وراثاً يرثون مما تركه هم الوالدان والأقربون «.
والثَّانِي: أنَّ التَّقديرَ: ولكلِّ إنْسَانٍ موروث، جعلنا وراثاً مما ترك ذلك الإنسان. ثُمَّ بين الإنْسَان المضاف إليه» كُلّ «بقوله: {الوالدان} ، كأنه قيل: ومن هو هَذَا الإنسان الموروث؟ فقيل: الوالدان والأقربُونَ، والإعراب كما تقدَّمَ في الوَجْهِ قَبْلَهُ، إنَّمَا الفرقُ بينهما أنَّ الوالِدَيْنِ في الأوَّلِ وارثون، وفي الثانِي مورثون، وعلى هذيْنِ الوجْهَيْنِ فالكلامُ جُمْلَتَانِ، ولا ضميرَ، محذُوف في» جعلنا «، و» موالي «مفعول أول، و» لكل «مفعول ثان.