اعلم أن الحروف لا أَصْلَ لها في العمل، لكن الحروف أشبه الفعل صورة ومعنى، فاقتضى كونه عاملاً.
أما المُشَابهة في اللفظ فلأنه تركّب من ثلاثة أحرف انفتح آخرها، ولزمت الأسماء كالأفعال، وتدخل نون الوقاية نحو «إنّني وكأنّني» كما تدخل على الفعل نحو: «أعطاني وأكرمني» ، وأما المعنى فلأنه يفيد معنى في الاسم، فلما اشبهت الأفعال وجب أن تشبهها في العمل.
روى ابن الأنباري «أن الكِنْدِيّ» المتفلسف ركب إلى المبرد وقال: إني أجد في كلام العرب حشواً، أجد العرب تقول:«عبد الله قائم» ، ثم يقولون:«إنَّ عبد الله قائم» ثم يقولون: «إنَّ عبد الله لقائم» .
فقال المبرد: بل المعاني مختلفة لاختلاف الألفاظ: فقولهم:: عبد الله قائم «إخبار عن قيامه، وقولهم:» إن عبد الله قائم «جواب عن سؤال سائل، وقولهم:» إن عبد الله لقائم «جواب عن إنكار منكر لقيامه.
واحتج عبد القاهر على صحّة قوله بأنها إنما تذكر جواباً لسؤال سائلٍ بقوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي القرنين}[الكهف: ٨٣] إلى أن قال: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ}[الكهف: ٨٤] ، وقوله:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ}[الكهف: ١٣] ، وقوله:{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي برياء}[الشعراء: ٢١٦] .
قال عبد القاهر: والتحقيق أنّها للتأكيد، فإذا كان الخبر ليس يظنّ المخاطب خلافه لم يحتج إلى» أن «، وإنما يحتاج إليها إذا ظنّ السامع الخلاف، فأما دخوله اللاّم معها في جواب المنكر، فلأن الحاجة إلى التأكيد أشد.
فإن قيل: فلم لا دخلت» اللام «في خبرها في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ}[المؤمنون: ١٦] ، وأدخل» اللام «في خبرها في قوله قبل ذلك: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ