قوله تعالى:{فألقى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ} . وعلم أن قوله:{أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ} الشعراء: ٣٠] دل على أن الله تعالى عرفه قبل إلقاء العصا بأنها تصير ثعباناً، فلذلك قال ما قال، فلما ألقى موسى عصاه وصارت ثعباناً، روي أنها لما انقلبت حية ارتفعت في السماء قدر ميل، ثم انحطت مقبلة إلى فرعون تقول: يا موسى، مرني بما شئت، ويقول فرعون:(يا موسى) أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها، فأخذها فعادت عصا. فإن قيل: كيف قال: «ثُعْبَانٌ مُبِينٌ» وفي آية أخرى: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى}[طه: ٢٠] وفي آية ثالثة: {كَأَنَّهَا جَآنٌّ}[القصص: ٣١] والجانّ مائل إلى الصغر، والثعبان إلى الكبر؟
فالجواب: أن الحية اسم الجنس، ثم لكبرها صارت ثعباناً، وشببها بالجانّ لخفتها، وسرعتها، فصح الكلامان. ويحتمل أنه شببها بالشيطان لقوله:{والجآن خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السموم}[الحجر: ٢٧] . ويحتمل أنها كانت صغيرة كالجانّ ثم عظمت فصارت ثعباناً ثم إن موسى - عليه السلام - لما أراه آية العصا قال فرعون:«هل غيرها» ؟ قال: نعم، فأراه يده، ثم أدخلها جيبه، ثم أخرجها {فَإِذَاْ هِيَ بَيْضَاءُ} تضيء الوادي من شدة بياضها من غير برص، لها شعاع كشعاع الشمس. فعند هذا أراد فرعون تعمية هذه الحجة على قومه فذكر أموراً:
أحدها: قال لهم: {إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} وكان زمانهم زمان السحرة، فأوهمهم أن هذا كبير من السحرة.
وثانيها: قال: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ} وهذا موجب للتنفير عنه لئا يقبلوا قوله، والمعنى: يفرق جمعكم بما يلقيه من العداوة بينكم، ومفارقة الوطن أصعب الأمور، وهذا نهاية ما يفعله المضل المنفر عن المحق.
وثالثها: قوله: «فَمَاذَا تَأْمُرُونَ» أي: ما رأيكم فيه، فأظهر لهم من نفسه أني متبع لرأيكم، ومثل هذا يوجب جذب القلوب، وانصرافها عن العدو قوله:«حَوْلَهُ» حال من «