قوله تعالى:{إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ} الآية.
لمَّا شرح أحوال الكفَّار في طاعاتهم البدنية، أتبعها بشرح أحوالهم في الطَّاعات الماليَّةِ.
قال مقاتل والكلبيُّ: نزلت في المُطعمين يوم بدر، وكانوا اثني عشر رجلاً من كبار قريش، كان يطعم كلُّ واحد منهم يوم عشر جزر.
وقال سعيدُ بن جبيرٍ: نزلت في أبي سفيان وإنفاقه المال على حرب محمد يوم أحد، وكان قد استأجر ألفين من الأحابيش سوى من استجاش من العربِ، وأنفق عليهم أربعين أوقية، والأوقية: اثنان وأربعون مثقالا، هكذا قاله الزمخشريُّ. ثُم بيَّن تعالى أنهم إنَّما ينفقون المال:{لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} أي: غرضهم من الإنفاق الصد عن اتباع محمد وهو سبيل الله، وإن لم يكن عندهم كذلك.
قال:{فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} أي: أنَّ هذا الإنفاق يكون عاقبته حسرة؛ لأنَّهُ يذهب المال ولا يحصل المقصودُ، بل يغلبون في آخر الأمر. {والذين كفروا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} وإنَّما خصَّ الكفار، لأن فيهم من أسلم.
قوله {لِيَمِيزَ الله الخبيث} قد تقدَّم الكلامُ فيه في آل عمران: [١٧٩] . والمعنى: ليميزَ اللَّهُ الفريق الخبيث من الكُفَّارِ من الفريق الطَّيب من المؤمنين، فيجعل الفريق الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً، أي: يجمعهم ويضمُّهم حتَّى يتراكموا.
«أولَئِكَ» إشارةً إلى الفريق الخبيثِ، وقيل: المرادُ في جهاد الكفار، كإنفاقِ أبي بكر وعثمان في نصرة الرسول - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ -، فيضم تعالى تلك الأموال الخبيثة بعضها إلى بعض فيلقيها في جهنَّم، ويعذبهم بها، كقوله تعالى:{فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ}[التوبة: ٣٥] فاللَاّمُ في قوله {لِيَمِيزَ الله الخبيث} على القول الأوَّلِ متعلقة بقوله تعالى: {يُحْشَرُونَ} أي: يحشرون ليميز اللَّهُ الفريق الخبيث من الفريق الطيب، وعلى القول الثاني متعلقة بقوله:{ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً} و «يَجْعَلَ» يحتمل أن تكون تصييريةً، فتنصبَ مفعولين، وأن تكون بمعنى الإلقاء، فتتعدَّى لواحد، وعلى