قال ابن عبَّاسٍ» كانت قريش يطوفون بالبيت عُراة، يُصفرون ويصفِّقُون «.
وقال مجاهدٌ:» كانوا يعارضون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الطّواف ويتسهزئون به ويصفِّرون، ويصفِّقُونَ، ويخلطون عليه طوافه وصلاته «.
وقال مقاتلٌ:» كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذَا صلَّى في المسجد الحرام، قام رجلان عن يمينه، ورجلان عن يساره يصفقون ليخلطوا على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ صلاته، وهم من بني عبد الدَّارِ «.
وقال سعيدُ بنُ جبيرٍ:» التصديةُ: صدهم المؤمنين عن المسجد الحرامِ، وعلى هذا ف «التَّصددةُ» بدالين، كما يقال: تظننت من الظن «.
فعلى قول ابن عباسٍ كان المكاءُ والتصديةُ نوع عبادة لهم، وعلى قول مجاهد ومقالت: كان إيذاءاً للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. والأول أقرب، لقوله تعالى:{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِندَ البيت إِلَاّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً} .
فإن قيل:» المُكَاءُ «و» التَّصديةُ «ليسا من جنس الصَّلاة، فكيف يجوزُ استثناؤهما من الصَّلاة؟ فالجوابُ: من وجوه، أحدها: أنهم كانوا يعتقدون أنَّ المكاء والتصدية من جنس الصَّلاة، فحسن الاستثناء على حسب معقتدهم.
قال ابنُ الأنباري:» إنَّما سمَّاه صلاة؛ لأنَّهُمْ أمروا بالصَّلاةِ في المسجدِ؛ فجعلوا ذلك صلاتهم «.
وثانيها: أنَّ هذا كقولك: زرتُ الأمير؛ فجعل جفائي صلتي، أي: أقام الجفاء مقام الصلة، كذا ههنا.
وثالثها: الغرضُ منه أن من كان المكاء والتَّصدية صلاته فلا صلاة له، كقول العربِ: ما لفلان عيب إلَاّ السخاء، أي: مَنْ كان السخاء عيبه فلا عَيْبَ فيه.
ثم قال تعالى {فَذُوقُواْ العذاب} أي: عذاب السيف يوم بدر، وقيل: يقال لهم في الآخرة {فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} .