قوله تعالى:{لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ} : هذه جملةٌ من مبتدأ وخبرٍ، وعلى رأي الأخفش من باب الفعلِ والفاعلِ؛ لأنه لا يشترطُ الاعتماد، و «مِن نِّسَآئِهِمْ» في هذا الجارِّ ثمانيةُ أوجهٍ:
أحدها: أنْ يتعَلَّقَ ب «يُؤْلُونَ» .
قال الزمخشريُّ:«فإنْ قلتَ: كيف عُدِّي ب» مِنْ «وهو مُعَدى ب» عَلَى «؟ قلتُ: قد ضُمِّنَ في هذا القَسَم المخصوصِ معنى البُعْد، فكأنه قيل: يُبْعُدُونَ من نسائِهم مُؤْلِينَ، أو مُقْسِمِين» .
الثاني: أنَّ «آلَى» يتَعَدَّى ب «عَلَى» وب «مِنْ» ؛ قاله أبو البقاء نقلاً عن غيره؛ أنه يقال: آلَى من امرأته، وعلى امرأته.
الثالث: أنَّ «مِنْ» قائمةٌ مقامَ «عَلَى» على رأي الكوفيِّين.
والرابع: أنها قائمةٌ مقامَ «فِي» ، ويكونُ ثم مضافٌ محذوفٌ، أي: على تَرْكِ وَطْءِ نسائهم، أو في ترك وطء نسائهم.
والسادس: أَنْ تتعلَّقَ بمحذوف، والتقديرُ: والذين يُؤُلون لهم من نسائهم تربُّصُ أربعة أشهرٍ؛ فتتعلَّق بما يتعلق به «لَهُم» المحذوفُ، هكذا قَدَّره أبو حيَّان وعزاه للزمخشريِّ قال شهاب الدين وفيه نظرٌ؛ فإنَّ الزمخشريَّ قال: ويجوزُ أن يُرَادَ: لهم من نسائهم تَرَبُّصُ؛ كقولك:«لِي مِنْكَ كَذَا» فقوله «لَهُمْ» لم يُرد به أن ثَمَّ شيئاً محذوفاً، وهو لفظُ «لَهُمْ» ، إنما أرادَ أَنْ يعلِّق «مِنْ» بالاستقرار الذي تعلَّق به «لِلَّذِينَ» ، غايةُ ما فيه: أنه أتى بضمير «الَّذِينَ» تبييناً للمعنى، وإِلَى هذا المنحَى نحا أبو البقاء؛ فإنه قال: وقيل: الأصلُ «عَلَى» ، ولا يَجُوزُ أن تقومَ «مِنْ» مقامَ «عَلَى» فَعَلَى ذلك تتعلَّقُ «مِنْ» بمعنى الاستقرار، يريدُ الاستقرارَ الذي تعلَّقَ به قوله «لِلَّذِينَ» ، وعلى تقدير تسليم أنَّ لفظة «لَهُمْ» مقدرةٌ، وهي مُرادةٌ، فحينئذٍ: إنما تكونُ بدلاً من «لِلَّذِينَ» بإِعادةِ العاملِ، وإلَاّ يبقى قوله «لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ» مُفْلَتاً، وبالجملةِ فتعلُّقه بالاستقرار غيرُ ظاهرٍ، وأمَّا تقديرُ الشيخ:«والذين يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ» ، فليس كذلك؛ لأنَّ «الَّذِينَ» لو جاء كذلك غيرَ مجرور باللام، سَهُلَ الأمرُ الذي ادَّعاه، ولكن إنما جاءَ كما تراه مجروراً باللام، سهُلَ الأمرُ الذي ادَّعاه، ولكن إنما جاءَ كما تراه مجروراً باللام، ثم قال أبو حيَّان: وهذا كلُّه ضعيفٌ يُنَزَّه