قوله:«بَلْ مَتَّعتُ» قرأ الجمهور مَتَّعْتُ بتاء المتكلم وقتادة، والأعمش بفتحها للمخاطب خاطب إبراهيم أو محمد ربه بذلك. وبها قرأ نافع في رواية يَعْقُوبَ.
والأعمش أيضاً: بل مَتَّعْنَا بنون العظمة هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ يعني أهل مكة وهم عَقِبُ إبراهيمَ يريد مشركي مكة، ولم أعاجلهم بالعقوبة على الكفر {حتى جَآءَهُمُ الحق} وهو القرآن. وقال الضحاك: يعني الإسلام «وَرَسُولٌ مُبِينٌ» برسالة واضحة يبين لهم الأحكام، وهو محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلم يُطيقوه وعصوا، وكذبوا به، وسموه ساحراً ووجه النظم أنه لما عولوا على تقليد الآباء ولم يتفكروا في الحجة اغتروا بطول الإمهال، وإمتاع الله إياهم بنعيم الدنيا، فأعرضوا عن الحق. وقال الزمخشري:
فإن قيل: ما وَجْهُ من قرأ: مَتَّعْتَ، بفتح التاءِ؟ .
قُلْنَا: كأن الله سبحانه وتعالى اعترض على ذاته في قوله: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف: ٢٨] فقال: بل مَتَّعْتُهُمْ بما متعتهم به من طُول العمر والسِّعة في الرزق حتى مَنَعَهُمْ ذلك عن كلمة التوحيد وأراد بذلك المبالغة في تعييرهم، لأنه إذا متعهم بزيادة النعم، وجب عليهم أن يجعلوا ذلك شيئاً في زيادة الشكر، والثبات على التوحيد، لا أن يشركوا به ويجعلوا له أنداداً، فمثاله أن يشكو الرجل إساءةَ من أحْسٍَنَ إِليه، ثم يقبل على نفسه، فيقول: أنت السبب في ذلك بمعروفك وإحسانك إليه ويريد بهذا الكلام توبيخَ المسيء لا تقبيح فعل نفسه.