لما توعَّدَ الكُفْرُ، وبين أنَّ ذلك التقديرَ لا بُدَّ من وُقُوعِهِ، يَعْنِي: أنَّ ذلك إنَّما هو مِنْ خَواص الكُفْرِ، أمَّا سَائِرُ الذُّنُوبِ غيرَ الشِّرْكِ، فإنه يَغْفِرُها، إن شاءَ.
قال الكَلْبِيُّ: نزلتْ في وَحْشِيّ بن حَرْبٍ، وأصحابه؛ وذلك أنَّه لما قُتِل حَمْزَةُ، كان قد جُعِلَ له على قَتْلِه أنْ يُعْتَقَ، فلم يُوفَّ له بذلك، فلما قَدمَ مَكَّةَ، نَدِمَ على صُنْعِهِ، هُوَ، وأصحابُهُ؛ فكَتَبُوا إلى رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إنَّا قَدْ نَدِمْنَا على الذي صَنَعْنَا، وإنَّه لَيْسَ يَمْنَعُنَا عن الإسلامِ إلَاّ أنَّا سَمعناكَ تَقُولُ بِمَكَّةَ:{والذين لَا يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ}[الفرقان: ٦٨] الآياتِ، وقد دعونا مع الله إلهاً أخر، وقتلنا النفس التي حرم الله قتلها وزنينا، فلوْلا هذه الآياتُ، لاتَّبَعْنَاك؛ فنزلت:{إِلَاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً}[الفرقان: ٧٠] ، الآيتين، فبعثَ بهما [رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ] إليهم فلما قرءُوا، كتبوا إليْهِ: إنَّ هذا شَرْطٌ شَدِيدٌ نَخَافُ إلَاّ نَعْمَلَ عَمَلاً صالحاً فنزلَ: {إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ} ، فَبَعَثَ بها إليهمْ، فبَعَثُوا إليه: إنَّا نَخَافُ ألَاّ نكون مِنْ أهْلِ المشيئةِ؛ فنزلتْ:{ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله}[الزمر: ٥٣] فبعث بها إليهم؛ فَدَخَلُوا في الإسلامِ، ورجعُوا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَبِل مِنْهم، ثم قال [عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ] لِوَحْشِي: «أخْبِرْنِي: كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ» ؟ فلَمَّا أخْبَرَهُ، قال:«وَيْحَكَ! غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّي» ، فَلَحِقَ وَحْشِيٌّ بالشَّامِ، وكانَ بِهَا إلى أنْ ماتَ.
وروى أبُو مِجْلَز، عن ابْنِ عُمَر:«لمَّا نزلت:» يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم «