و «لولا» : حرفُ تحضيض ومعناه التوبيخ أي: هلَاّ، وقرأ الجَرَّاحُ وأبُو وَاقِدٍ:«الرِّبِّيُّونَ» مكان الرَّبَانِيِّين، قال الحسن - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «الرَّبَانِيُّون عُلَمَاءُ أهل الإنجيل، والأحْبَار عُلَمَاءُ أهْل التَّوْرَاة» ، وقال غيره: كُلُّهُم في اليهُود؛ لأنَّه مُتَّصِل بذكرهم، والمعنى: أنَّ اللَّه اسْتَبْعَدَ من عُلَمَاءِ أهْلِ الكتاب أنَّهُمْ ما نهوا سَفَلتهم وعَوامَّهُم عن المَعَاصِي، وذلك يُدُلُّ على أنَّ تَرْكَ النَّهْي عن المنكر بمنزلة مُرْتَكِبِهِ؛ لأنَّهُ تعالى ذَمَّ الفَرِيقَيْنِ في هَذِهِ الآيَةِ على لَفْظٍ واحدٍ، بل نقُول: أنَّ ذَمَّ تَارِك النهي عن المُنْكَر أقْوَى؛ لأنَّه قال في المُقْدِمِين على الإثْمِ والعُدْوان وأكلهم السُّحْت:{لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[المائدة: ٦٢] وقال في العُلَمَاء التَّاركِين للنَّهْي عن المنكر: {لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} والصُّنْعُ أقوى مِنَ العَمَلِ؛ فإنَّما العمل يُسَمَّى صِناعَةً، إذا صَارَ مُسْتَقِرّاً راسخاً مُتَمَكِّناً، فجعل [حُرْمَ] العامِلين ذَنْباً غير رَاسخٍ، وذنب التَّارِكِين للنهْي المُنْكر ذَنْباً راسِخاً، والأمْرُ في الحقيقَة راسخاً كذلك؛ لأنَّ المعْصِيَة مرضُ الرُّوح، وعلاجُه العِلْمُ باللَّه وبصفَاتِهِ وبأحْكَامِه، فإذا حَصَل هذا العِلْم ولم تزل المعْصِيَة، كان كالمَرِيض الذي يعالج بأدويته، قَلَّ فيها الشِّفَاءُ، ومثل هذا المرض صَعْبٌ شديد لا يَكَادُ يَزُولُ، وكذلك العَالِمُ إذا أقْدَم على المعْصِيَة دَلّ على أنَّ مرض فَقْد الإيمَان في غايَةِ القُوَّةِ والشِّدَّةِ.
رُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قال: هِيَ أشَدُّ آية في القُرْآن، وعَنِ الضَّحَّاك: ما في القُرآن آية أخْوَفُ عِنْدِي مِنْهَا.
وقرأ ابن عبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - «بِئْسَمَا» بغير لام قسم، و «قَوْلِهِمْ» مصدرٌ مضافٌ لفاعلِه، و «الإثْمَ» مفعولُه.