للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: «وَيَقُولُونَ» أي: كفَّار مكَّة، «لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ» أي: على محمَّد «آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ» على ما نقترحُه، وذلك أنَّهم قالوا: القرآن الذي جئنا به كتابٌ مشتملٌ على أنواع من الكلمات، والكتاب لا يكون معجزاً، كما أنَّ كتابَ موسى، وعيسى ما كان معجزاً لهما، بل كان لهما أنواع من المعجزات، دلَّت على نُبُوَّتهما سوى الكتاب، وكان في أهْل مكَّة من يدَّعي إمكان المعارضة، كما أخبر الله - تعالى - عنهم في قوله: {لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هذا إِنْ هاذآ} [الأنفال: ٣١] .

فلذلك طلبُوا منه شيئاً آخر سوى القرآن؛ ليكون معجزاً، فأمر الله - تبارك وتعالى رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - بأن يجيبهم بقوله: {إِنَّمَا الغيب للَّهِ فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} [يونس: ٢٠] .

وتقريرُ هذا الجواب: أنه أقام الدلالة القاهرة على أنَّ القرآن معجزةٌ قاهرةٌ؛ لأنَّه - صلوات الله وسلامه عليه - نشأ بينهُم، وعلموا أنَّهُ لم يُطالِعْ كتاباً، ولا تتلمذ لأستاذ، مدَّة أربعين سنة مُخالطاً لهُم، ولم يشتغل بالفِكْرِ والتَّعلم قط، ثم إنَّه أظهر هذا القرآن العظيم، وظهورُ مثل هذا الكتاب على مثل ذلك الإنسان، لا يكونُ إلَاّ بالوحي، وإذا كان كذلك، فطلب آية أخرى سوى القرآن يكون اقتراحاً لا حاجة إليه وعناداً، ومثل هذا يكون مُفَوَّضاً إلى مشيئة الله - تعالى -، فإن شاء أظهر، وإن شاء لم يظهر، فيكون من باب الغيب، فيجبُ على كلِّ أحدٍ أن ينتظر، هل يفعله الله أم لا؟ ولكن سواء فعل أم لم يفعل فقد ثبت نُبُوَّتُه، وظهر صدقُه، وهذا المقصُود لا يختلف بحُصُول تلك الزِّيادة وعدمها.

قوله تعالى: {وَإِذَآ أَذَقْنَا الناس رَحْمَةً} الآية.

وهذا جوابٌ آخر لسُؤالهم، وطلبهم المعجزة، وذلك من وجهين:

الأول: أنَّ عادتهُم العناد، والمكر، وعدم الإنصاف، فبتقدير أن يعطوا ما سألوه، فإنهم لا يُؤمنون، بل يبقون على كفرهم، وعنادهم؛ وبيانه أنَّ الله - تعالى - سلَّط القَحْط على أهل مكَّة سبع سنين، ثمَّ رحمهم، وأنزل المطر على أراضيهم، ثم إنَّهم أضافُوا المنافع إلى الأنواء والكواكب.

الوجه الثاني: أنَّه لو أنزل عليهم المعجز لم يقبلُوه؛ لأنَّه ليس غرضهم من هذه الاقتراحات التَّشدد في الدِّين، وإنما غرضُهُم الدَّفع، والمبالغة في صون مناصبهم الدنيويَّة؛ لأنَّه - تعالى - لمَّا سلَّط البلاء عليهم، ثم أزالهُ عنهم، فهم مع ذلك استمرُّوا على الكُفْر.

<<  <  ج: ص:  >  >>