للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابنُ عطيَّة ويتَّجِه في إعراب هذه الآية الكريمة: أن يكون» كُتِبَ «هو العامِلَ في» إِذَا «، والمعنى:» تَوَجَّه علَيْكم إيجابُ اللهِ، ومقتضى كتابِهِ، إذا حَضَر «فعبّر عن توجُّه الإيجاب ب» كُتِبَ «لينتظم إلى هذا المعنى: أَنَّهُ مكتوبٌ في الأَزَلِ، و» الوَصِيَّة «مفعولٌ لم يسمَّ فاعلُه ب» كُتِبَ «وجواب الشَّرطين» إِنْ «و» إِذْا «مقدَّر يدلُّ عليه ما تَقَدَّم مِنْ قوله» كُتِبَ «.

قال أبو حيان وفي هذا تناقصٌح لأنَّهُ جعل العَامِل في» إِذَا «كُتِبَ» ، وذلك يستلزمُ أن يكُون إذا ظرفاً محضاً غيرَ متضمِّن للشَّرطِ، وهذا يناقضُ قوله: «وجواب» إذا و «إن» محذوف؛ لأنَّ إذا الشَّرشطية لا يعملُ فيها إلاّ جوابُها، أو فعلُها الشرطيُّ، و «كُتِبَ» : ليْسَ أحدهُما، فإن قيل: قومٌ يُجِيزُون تقدِيم جوابِ الشَّرط، فيكُونُ «كُتِبَ» هو الجوابَ، ولكنَّهُ تَقَدَّم، وهو عاملٌ في «إِذَا» ن فيكون ابنُ عطيَّة يقُول بهذا القَوْل.

فالجواب: أَنَّ ذلك لا يجوزُ؛ لأنَّه صرَّح بأَنَّ جوابها محذوفٌ مدلولٌ عليه ب «كُتِبَ» ، ولم يجعل «كُتِبَ» هو الجوابَ، ويجوزُ أن يكُونَ العَامِلُ في «إِذَا» الإيصاءَ المفهوم مِنْ لفظ «الوَصِيَّة» ، وهو القائمُ مقام الفاعِل في «كُتِب» ؛ كما تقدَّم.

قال ابن عطيَّة في هذا الوجه: ويكُونُ هذا الإيصاءُ المُقدَّر الذي يَدُلُّ عليه ذكرُ الوصيَّة بعد هو العَاملَ في «إِذَا» ، وترتفع «الوَصِيَّةُ» بالابتداء، وفيه جوابُ الشَّرطيْن؛ على نحو ما أنشَدَه سيبويه: [البسيط]

٩١٩ - مَنْ يَفْعَلِ الصَّالِحَاتِ اللهُ يَحْفَظُهُ..... ... ... ... ... ... ... ... ...

ويكونُ رفْعُها بالابتداءِ، أي: فعليه الوصيَّة؛ بتقدير الفَاءِ فقط؛ كأنَّهُ قال: «فالوصِيَّةُ للوالدَيْنِ» ، وناقشه أَبو حيَّان مِنْ وجوه:

أحدها: أَنَّهُ متناقض من حيثُ إنَّهُ إذا جعل «إِذَا» معمولةً للإيصاء المُقدر، تمحَّضت للظَّرْفية، فكيف يُقَدَّر لها جوابٌ؛ كما تقدَّم تحريره.

والثاني: أنَّ هذا الإيصاءَ إما أن تقدِّر لفظه محذوفاً، أو تضمره، وعلى كلا التَّقديرين، فلا يعمل؛ لأَنَّ المصدر شرطُ إعماله ألَاّ يُحذَف، ولا يضمر عند البصريِّين، وأيضاً: فهو قائمٌ مقام الفاعل؛ فلا يحذف.

الثَّالث: قوله «جَوَابُ الشَّرْطيْنِ» والشيء الواحد لا يكُون جواباً لاثَنَين، بل جواب كلِّ واحدٍ مستقلٌّ بقدره.

الرابع: جعلهُ حذفَ الفاءِ جائزاً في القُرآن، وهذا نصُّ سيبويه على أَنَّهُ لا يجوزُ إلا ضرورةً، وأنشد: [البسيط]

<<  <  ج: ص:  >  >>