قال كعبُ الإحبار: خاتمة التَّوارة خاتمة سورة هود روى عكرمة عن ابن عبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما - قال أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -: يا رسول الله قد شبت، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «شَيَّبتْنِي هُودٌ والواقعةُ، والمرسلاتُ، وعمَّ يتَساءَلُون، وإذا الشَّمسُ كُوِّرَتْ» ويروى: «شَيَّبتْنِي هودٌ وأخواتها» ويروى: «شَيَّبتْنِي هودٌ وأخواتها الحاقَّةُ، والواقعةُ، وعمَّ يتساءَلُون، وهل أتاكَ حديث الغاشيةِ» .
قال الحكيم: الغزع يورث الشَّيْب، وذلك أنَّ الفزع يذهل النفس فينشف رطوبة الجسدِ، وتحت كُلِّ شعره منبع، ومنه يعرق، فإذا انتشف الفزغُ رطوبته يبست المنابع؛ فَيبس الشَّعر وابيض، كما ترى الزَّرعَ بسقائه، فإذا ذهب سقاءهُ يبس فابيض، وإنَّما يبيض شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويُبْس جلده، فالنفس تذهل بوعيد الله بالأهوال؛ فتبل وينشَّف ماءها ذلك الوعيد والهول الذي جاء به، ومنه تشيب؛ قال تعالى:
{يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً}[المزمل: ١٧] وقال الأصمُّ: ما حلَّ بهم من عاجل أمر الله، فأهلُ اليقين إذا اتلوها تراءى على قلوبهم من ملكهِ وسلطانهِ البطش بأعدائهِ، فلو ماتُوا من الفزع لحق له، ولكن الله - تبارك وتعالى - يلطف بهم في الأيان حتَّى يقرؤوا كلامهُ، وكذلك لآخر آية في سورة هود، فإنَّ تلاوة هذه السُّورة ما يكشف لقلوب العارفين سلطانهُ وبطشهُ ما تذهل منه النفوس، وتشيب منه الرءوس.
قال القرطبيُّ: وقيل: إنِّ الذي شَيَّبَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من سورة «هود» قوله تعالى: {فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ}[هود: ١١٢] وقال عمرو بن أبي عمرو العبادي: قال يزيد بن أبان رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في المنام فقرأت عليه سورة هود، فلمَّا ختمتها قال لي «يا يزيدُ قرأت فأيْنَ البُكاء» واسند أبو محمد الدَّارمي في مسنده عن كعب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه - قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: «اقْرؤُوا سُورة هود يوم الجمعة» والله أعلم.