للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

حكم بأن حقية كلمة العذاب (توجب الاستنكار التام من صدور الإيمان والطاعة منه لو كان ذلك ممكناً ولم تكن حقية كلمة العذاب) مانعه منه لم يبق لهذا الاستنكار والاستبعاد معنًى.

فصل

احتج القاضي بهذه الآية على أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا يشفع لأهل الكبائر لأنه حق عليهم العذاب فتلك الشفاعة تكون جاريةً مجرى إنقاذهم من النار وأن الله تعالى حكم عليهم بالإنكار والاستبعاد، وأجيب: بأنا لا نسلم أن أهل الكابئر قد حق عليهم العذاب وكيف يحق عليهم العذاب مع أن الله تعالى قال:

{إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ} [النساء: ١١٦] وقال: {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً} [الزمر: ٥٣] .

قوله: {لكن الذين اتقوا رَبَّهُمْ} استدراك بين شيئين نقيضين، أو (بين) ضدين، وهما المؤمنون والكافرون وقوله: {لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} وهذا كالمقابل لما ذكر في وصف الكفار: «لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل» والمعنى لهم منازل في الجنة رفعية، وفوقها منازل أرفع منها.

فإن قيل: ما معنى قوله «مبينة» ؟

فجوابه: أن المَنْزِل إذا بُني على مَنْزِلٍ آخر كان الفَوْقَاني أضعف بناءً من التَّحْتَانِيّ، فقوله «مبينةٌ» معناه أنه وإن كان فوق غيره لكنه في القوة والشدة مساوٍ المنزل الأسفل، ثم قال: {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} وذلك معلوم.

قوله: {وَعْدَ الله} مصدر مؤكد لمضمون الجملة فهو منصوب بواجب الإضمار لأن قوله: {لَهُمْ غُرَفٌ} في معنى وَعَدَهُم اللَّهُ ذلك، وفي الآية دقيقة شريفة وهي أنه تعالى في كثير من آيات الوعد يصرح بأن هذا وعد الله وأنه لا يخلف وعده ولم يذكر في آيات الوعيد البتة مثل هذا التأكيد والتقوية، وذلك يدل أنّ جانب الوعد أرجح من جانب الوعيد بخلاف قول المعتزلة إنه قال في جانب الوعيد {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [ق: ٢٩] وأجيبوا بأن قوله: «ما يبدل القول لدي» ليس تصريحاً بجانب الوعيد بل هو عام يتناول القِسْمَيْن الوعد والوعيد فثبت أن الترجيح الذي ذكرنا حق. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>