قال الفَارِسيُّ - عن أبي عثمان -: «أصلُ أخْذِ هذه القراءة عن نَافعِ» قال: «ولَمْ يَكُنْ يَدْرِي ما العَرَبِيَّةُ» .
قال شهابُ الدِّينِ: وقد فعلتِ العربُ مثل هذا، فَهَمَزُوا «مَنَائِرَ ومَصَائِبَ» جمع «منارةٍ ومُصِيبَة» والأصل «مَنَاوِرُ، ومَصَاوِبُ» وقد غلَّطَ سيبويه من قال مصائِبَ، ويعني بذلك أنَّهُ غلطه بالنسبة إلى مخالفة الجادَّةِ، وهذا كما تقدَّم عنه أنه قال:«واعْلَمْ أنَّ بعضهم يغلط فيقول: إنَّهم أجمعونَ ذَاهِبُونَ»[قال] ومنهُمْ من يأتي بها على الأصل فَيَقُولُ: مصاوب ومناور، وهذا كما قالوا في جمع «مقالٍ» و «مقام» : «مقاول» و «مقاوم» في رجوعهم بالعين إلى أصلها قال: وأنشد النَّحْوِيُّون على ذلك: [الطويل]
ووجه همزها أنَّهُم شبَّهوا الاصليَّ بالزَّائد فتوهموا أن «معيشة» بزنة «صحيفة» فهمزوها كما همزا «تيك» قالوا: ونظير ذلك في تشبيههم الأصل بالزائد قولهم في جميع «مسيل»«مُسْلان» ، توهَّموه على أنَّه على زِنَةٍ «قضيبٍ وقُضْبَان» وقالوا في جمعه «أمْسِلَة» كأنَّهْمِ تَوَهَّمُوا أنَّهُ بزنة «رَغيفٍ، وأرْغِفَةٍ» وإنَّما مسيل وزنه «مفعلٌ» ؛ لأنه من سيلان الماءِ، وأنْشَدُوا على «مَسِيلِ، وأمْسِلة» قول أبِي ذُؤيْبٍ الهُذَلِيِّ: [الوافر]
وقال الزَّجَّاجُ: جميعُ نُحَاةِ البَصْرَةِ يَزْعُمُونَ أنَّ همزها خَطَأ، ولا أعلم لها وجهاً إلَاّ التِّشْبِيه ب «صحيفة» و «صحائف» ، ولا ينبغي التَّعْوِيلُ على هذه القراءة.
قال شهابُ الدين: وهذه القراءةُ لم يَنْفَرِدْ بها نافعٌ بل قَرَأهَا جماعة جلَّةٌ معه؛ فإنَّها منقولة عن ابن عامر الذي قَرَأ على جماعة من الصَّحابةِ ك «عُثْمان» و «أبي الدَّرْدَاءِ» و «معاوية» ، وقد يبق ذلك في «الأنعام» ، فقد قَرَأ بها قَبْلَ ظُهُورِ اللَّحْنِ، وهو عربي فَصِيحٌ وقَرَأ بها أيضاً زيدُ بْنُ عَلِيٍّ، وهو على جانب من الفَصَاحَة والعلم الذي لا يدانيه فيه إلَاّ القليل، وَقَرأ بها أيضاً الأعْمَشُ والأعْرَجُ وكفى بهما في الإتْقَانِ والضَّبْطِ. وقد نقل الفرَّاءُ أنَّ قلب هذه الياء تشبيها لها بياء «صحيفة» قد جاء، وإن كان قليلاً.
وقوله:{قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} كقوله: {قَلِيلاً ما تَذكَّرُونَ} .