ونظيره قوله:{قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ الله وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[أل عمران: ٦٤] .
وثالثها: قال أبو مسلم: هو أن اليهود والنصارى وعبدة الأوثان كانوا مقرِّين بتعظيم إبراهيم - عليه السلام -، وبأنه كان مُحِقًّا صادقاً في دينه إلا في زيادات من الشرائع، فأمر الله تعالى - محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بأن يتبع ملته، بقوله تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ}[النحل: ١٢٣] ، ثم أمخر محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في هذا الموضع أن يقول كقول إبراهيم حيث قال:{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات والأرض}[الأنعام: ٧٩] فقل يا محمد: «أسْلَمْتُ وَجْهِيَ» كقول إبراهيم: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ» ، أي: أعرضت عن كل معبود سوى الله - تعالى - وقصدته وأخصلت له، كأنه قال: فإن نازعوك في هذه التفاصيل فقل: أنا متمسك بطريقة إبراهيم - عليه السلام - وأنتم مقرون بأن طريقته حق لا شبهة فيها، فكان هذا من باب التمسك بالإلزامات.
فصل
فَتَحَ الياءَ من «وَجْهِيَ» - هنا وفي الأنعام - نافع وابن عامر وجعفر وحفص وسكنها الباقون.
قوله:{وَمَنِ اتَّبَعَنِ} في محل «مَنْ» وجوه:
أحدها: الرفع؛ عطفاً على التاء في «أسْلَمْتُ» ، وجاز ذلك؛ لوجود الفصل بالمفعول؛ قاله الزمخشريُّ وابن عطية.
قال أبو حيان:«ولا يمكن حمله على ظاهره؛ لأنه إذا عطف الضمير في نحو:» أكلت رغيفاً وزيدٌ «لزم من ذلك أن يكونا شريكين في أكل الرغيف، وهنا لا يسوغ ذلك؛ لأن المعنى ليس على أنهم أسلموا هم. وهو صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أسلم وجهه، بل المعنى على أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أسلم وجهه لله، وأنهم أسلموا وجوههم لله؛ [فالذي يقوى في الإعراب أنه معطوف على ضمير محذوف منه المفعول، لا مشارك في مفعول» أسْلَمْتُ «والتقدير: ومن اتبعني وجهه، أو أنه مبتدأ محذوف الخبر؛ لدلالة المعنى عليه، والتقدير: ومن اتبعني كذلك، أي: أسلموا وجوههم لله] ، كما تقول: قضى زيد نحبه وعمرو، أي: عمرو كذلك، أي: قضى نحبه» .
قال شهابُ الدينِ:«إنما صحت المشاركة في نحو: أكلتُ رغيفاً وزيدٌ؛ لإمكان ذلك، وأما في الآية الكريمة فلا يُتَوَهَّمُ فيه المشاركة» .