فأجاب الله عن هذه الشبهة بقوله تعالى:{الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ} يعني كما خلق الإنسان ولم يكن شيئاً مذكرواً كذلك يعيده وإن لم يبق شيئياً مذكوراً.
الثاني: أن من تَفَرَّقت أجزاؤه في مشارق الأرض ومغاربها وصار بعضه في أبْدانِ السِّباع، وبعضه في حواصل الطيوب وبعض في جُدْرَان الرباع كيف يجمتع؟ وأبعد من هذا: لو أكل الإنسان إنساناً وصار أجزاء المأكول في أجزاء الآكل (فإن أعيدت أجزاء الآكل) فلا يبقى للمأكول أجزاء تتخلق منها أعضاء وإما أن تُعَاد إلى بدن المأكول فلا يبقى للآكل أجزاء. فأبطل الله تعالى هذه الشبهة بقوله:{وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} ووجهه: أن في الأكل أجزاء أصلية وأجزاء فضلية وفي المأكول كذلك فإذا أكل إنسانً إنساناً صار الأصلي من أجزاء المأكول فضلياً من أجزاء الآكل والأجزاء الأصلية للآكل هي ما كان قبل الأكل فاللَّه بكل خلق عليم يعلم الأصل من الفضل فيجمع الأجزاء الأصلية للآكل ويجمع الأجزاء الأصلية للمأكول وينفخ فيه روحاً وكذلك يجمع أجزاءه المتفرقة في البِقَاع المتبددة بحكمته وقدرته.
ثم إنه تعالى عاد إلى تقرير ما تقدم من دفع استبعادهم وإبطال نكارهم فقال:{الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَاراً} هذه قراءة العامة، وقرئ الخَضْرَا اعتباراً بالمعنى، وقد تقدم أنه يجوز تذكر اسم الجنس وتأنيثه قال تعالى:{نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ}[القمر: ٢٠]{نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}[الحاقة: ٧] وتقدم أن بني تميم ونَجْد يذكِّرونه، والحجاز يؤنثونه إلا ألفاظاً اسْتُثْنِيَتْ.