فالجواب: أن الناس الساكنين على سطح كرة الأرض إذا نظروا إلى السماء فإنهم يشاهدو (نَ) هَا مزينة بهذه الكواكب فصح قوله تعالى: {إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِزِينَةٍ الكواكب} وأيضاً فكون هذه الكواكب مركوزة في الفلك الثامن لم يتم دليل الفلاسفة عليه.
فن قيل: هذه الشهب التي يرمى بها هل هي من الكواكب التي زين الله المساء بها أم لا؟ والأول باطل لأن هذه الشهب تَبْطُل وتَضْمَحِّل فلو كانت هذه الشهب تلك الكواكب الحقيقة لوجب أن يظهر نقصان كثير في أعداد كواكب السماء ولم يوجد ذلك فإن أعداد كواكب السماء باقية لم تتغير ألبتة وأيضاً فجعلها رجوماً للشياطين مما يوجب وقوع النقصان في زينة السماء فكان الجمع بين هذين المقصودين كالمتناقض وإن كانت هذه الشهب جنساً آخر غير الكواكب المركوزة في الفلك فهو أيضاً مُشْكِل لأنه تعالى قال في سورة الملك:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ}[الملك: ٥] فالضمير في قوله: «وَجَعَلْنَاهَا» عائد إلى المصابيح فوجب أن تكون تلك المصابيح هي الرجوم بأعينها.
فالجواب: أن الشهبَ غير تلك الكواكب الثاتبة وأما قوله تعالى: «ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين» فنقو (ل) كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض إلا أن تلك المصابيح منها باقية على وجه الأرض آمنة من التغير والفساد ومنها ما لا يكون كذلك وهي هذه الشهب التي يحدثها الله تعالى ويجعلها رجوماً للشياطين إلى حيث يعلمون وبهذا يزول الإشكال.
فإن قيل: كيف يجوز أن تذهب الشياطين حيث يعلمون أن الشهب تحرقهم ولا يصلون إلى مقصودهم البتة وهل يمكن أن يصدر (مثل) هذا الفعل عن عاقل فكيف من الشياطين الذين لهم مَزِيَّة في معرفة الحِيل الدقيقة؟ .
فالجواب: أن حصول هذه الحال ليس له موضع معين وإلا لم يذهبوا إليه وإنما يمنعون من المصير إلى مواضع الملائكة ومواضعها مختلفة فربما صاروا إلى موضع تصيبهم الشهب وربما صاروا إلى غيره ولا صادفوا الملائكة ولا تصيبهم الشهب فلما هلكوا في بعض الأوقات وسلموا في بعض الأوقات جاز ان يصيروا إلى مواضع يغلب على ظنونهم أنهم لا تصيبهم الشهب فيما كما يجوز فيمن سَلَك البَحْرَ أن يسلكه في موضع يغلب على ظنه يغلب على ظنه حصول النجاة. هذا ما ذكره أبو عَلِيٍّ الجُبَّائي في الجواب عن (