فعلى هذا قد خوطبت العرب بما تعرفه، وهذه الشجرة موجودة فالكلام حقيقة، والثاني أنه من باب التخيل والتمثيل وذلك أنه كل ما يستنكر ويستقبح في الطباع والصورة يشبه بما يتخيله الوهم وإن لم يره والشياطين وإن كانوا موجودين غَيْرَ مَرئيِّين للعرب إلا أنه خاطبهم بما أَلِفُوهُ من الاستعارات التخييليه كقول امرئ القيس:[البسيط]
ولم ير أنيابها؛ بل ليست موجودة ألبتة، قال ابن الخطيب: وهذا هو الصحيح؛ وذلك أن الناس لما اعتقدوا في الملائكة كمال الفضل في الصورة والسيرة واعتقدوا في الشياطين نهاية القبح في الصورة والسير فكما حسن التشبيه بالملك عند إرادة الكمال والفضيلة في قول النساء:{إِنْ هاذآ إِلَاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ}[يوسف: ٣١] فكذلك حَسُنَ التشبيه برؤوس الشياطين بالقبح وتشيوه الخلقة، ويؤكد هذا أن العقلاء إذَا رأوا شيئاً (شديد الاضطراب منكر الصورة قبيح الخلقة قالوا: إنه شيطان وإذا رأوا شيئاً) حَسَناً قالوا: إنه ملكٌ من الملائكة قال ابن عباس: هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقُبْحِهِ.
قوله:{فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} والمِلْءُ حَشْوُ الوِعَاء بما لا يحتمل الزِّيادة عليه.
فإن قيل: كيف يأكلونها مع نهاية خُشُونتها ونَتَنَيها ومرارة طعمها؟
فالجواب: أن المضطر ربما استروح من الضِّرَر بما يقاربه في الضرر فإذا جوعهم