الخطيب: هذا الكلام إنما يلزم إذا قلنا الخصمان كانا ملكين إما إذا لم يُقَلْ ذلك لا يلزمنا حمل الظن على العمل بل لقائل أن يقول: إنه لمَّا غَلَب على ظنه حصول الابتلاء من الله تعالى اشتغل بالاستغفار والإنابة.
قوله:{فاستغفر رَبَّهُ} أي سأل الغفران من ربه، ثم ههنا وجهان إن قلنا: إنه صدرت منه زَلَّة حمل هذا الاستغفار عليها وإن لم يُقَلء به قلنا فيه وجوه:
الأول: أن القوم لما دخولا عليه قاصدين قتله وإنه كان سلطاناً شديدَ القهر عظيمَ القوة مع القدرة الشديدة على الانتقام ومع محصول الفزغ في قلبه عفا عنهم ولم يقل لهم شيئاً قَرُب الأمر من أن يدخل قبله شي من العُجْب فاستغر ربَّه من تلك الحالة وأناب إلى الله، واعترف بأن إقدامه على ذلك الخير ما كان إلا بتوفيق الله فغفر له وتجاوز عنه بسبب طَرَيَانِ ذلك الخاطر.
الثاني: لعله هَمَّ بإيذاء القوم، ثم قال: إنه لم يدل دليل قاطع على أن هؤلاء قصدوا الشر فعفا عنهم ثم استغفر من ذلك الهم.
الثالث: لعل القوم تابوا إلى الله تعالى وطَلَبُوا منه أن يستغفر الله (لهم) ولأجل أن يَقْبَلَ توبتهم فاستغفر وتضرع إلى الله فغفر له توبتهم بسبب شفاعته ودعائه. وهه كلها وجوهٌ محتلمة ظاهرةٌ، والقرآن مملوء من أمثال هذه الوجوه، وإذا كان الفظ محتملاً لما ذكرناه ولم يقم دليل قطعي ولا ظني على التزام ما ذكروه من المنكرات فما الذي دل عليه التزامه والقول به؟ ويؤد ما ذكرنا أنه تعالى ختم هذه القصة بقوله:{وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ} ومثل هذه الخاتمة إنما يحصل في حقّ من صدر عن امتثال الأوامر في الخدمة والطاعة وتحمل أنواعاً من الشدائد في الموافقة والانقياد.
قوله:{ذَلِكَ} الظاهر أنه مفعول «غَفَرْنا» وجوز أبو البقاء فيه أن يكون خبر مبتدأ مضمر أي الأمرُ ذلِك ولا حاجة إلى هذا والمشهور أَنَّ الاستغفار إنما كان بسبب قصة النَّعْجَة، والنِّعاج، وقيل: بسبب أنه حَكَمَ لأحد الخصمين قبل أن يسمع كلام الثاني، وذلك غير جائز.
قوله:{ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض} أي تدبر أمور العباد بأمرنا، واعلم أنه لما تمم الكلام في شرح الفقصة أردفها ببيان أن الله تعالى فوض إلى داودَ خلافةَ الأرض