للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {جَسَداً} فيه وجهان:

أظهرهما: أنه مفعول به لأَلْقَيْنَا.

والثاني: أنه حال، وصاحبها إما سُلَيْمَانُ لأنه يروى أنه مَرِضَ حتى صار كالجَسَد الذي لا رُوحَ فيه، وإما ولده، قالهما أبو البقاء ولكن «جَسَدٌ» جامد فلا بدّ من تأويله بمشتق أي ضعيفاً أو فارغاً.

قوله: {قَالَ رَبِّ اغفر لِي} تمسك به من حَمَلَ الكلام المتقدم على صدور الزَّلَّة لأنه لولا تقدم الذنب لما طلب المغفرة ويمكن أن يجاب: بأن الإنسان لا ينفك عن ترك الأفضل والأولى وحينئذ يحتاج إلى طلب المغفرة لأن حسان الأبرار سيئات المقربين ولأنه أبداً في مقام هَضْم النفس وإظهار الذِّلَّة والخضوع كما قال - عليه (الصلاة و) السلام -: «إنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ سَبْعِينَ مَرَّةً» مع انه غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

قوله: {وَهَبْ لِي مُلْكاً لَاّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي} دلت هذه الآية على أنه يجب تقديم مُهِمّ الدين على مُهِمّ الدينا لأن سليمان طلب المغفرة أولاً ثم طلب المملكة بعده، ثم دلت الآية أيضاً على أن طلب المغفرة من الله تعالى سبب لافتتاح أبواب الخيرات في الدنيا لأن سليمان طلب المغفرة أولاً، ثم توسل به إلى طلب المملكة ونوح - عليه (الصلاة و) السلام - قال:

{فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [نوح١٠ - ١٢] وقال لمحمد عليه (الصلاة و) السلام: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاة واصطبر عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ والعاقبة للتقوى} [طه: ١٣٢] .

فإن قيل: قول سليمان - عليه (الصلاة و) السلام -: «هَبْ لِي مُلْكاً لا ينبغي لأحد من بعدي» مشعر بالحسد.

فالجواب: أن القائلين بأن الشيطان استولى على مملكته قالوا معناه هو: أن يعطيه الله ملكاً لا يقدر الشيطان على أن يقوم فيه مقامه ألبتة، وأما المنكرون فأجوابوا بوجوه:

الأول: أن المُلْكَ هو القدرة فكان المراد أقدرنِي على أشياء لا يقدر عليها غيري ألبتة ليصير اقتداري عليها معجزة تدل على صحة نُبُوتي ورسالتي ويدل على صحة هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>