ومعنى قوله:{فِتْنَةٌ} استدراجٌ من الله تعالى وامتحان.
قوله:{قَدْ قَالَهَا} أي قال القولة المذكورة وهي قوله: {إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ} لأنها كلمة أو جملة من القول وقرئ: قَدْ قَالَهُ أي هذا القول أو الكلام. والمراد بالذين من قبلهم قارون وقومه، حيث قال:{قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ على عِلْمٍ عنديا}[القصص: ٧٨] وقومه راضُون به فكأنهم قالوها، ويجوز أن يكون في الأمم الماضية قائلون مثلها.
قوله:{فَمَآ أغنى} يجوز أن يكون «ما» هذه نافية أو استفهامية مؤولة بالنفي وإذا احتجنا إلى تأويلها بالنفي فلنجعلها نافيةً استراحةً من المجاز. ومعنى الآية ما أغنى عنهم الكفر من العذاب شيئاً.
قوله:{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أي جزاؤها يعني العذاب، ثم أوعد كفار مكة فقال:{والذين ظَلَمُواْ مِنْ هؤلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} ثم قال: {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} أي بفائتين لأن مرجعهم إلى الله - عَزَّ وَجَلَّ -.
قوله:{أَوَلَمْ يعلموا أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ} يعني أو لم يعلموا أن الله هو الذي يبسط الرزق تارة ويقبض أخرى، ويدل على ذلك أنا نرى الناس مختلفين في سعة الرزق وضيقه فلا بد لذلك من سبب وذلك السبب ليس هو عقل الرجل وجهله لأنا نرى العاقل القادر في أشد الضيق ونرى الجاهل الضعيف في أعظم السّعة وليس ذلك أيضاً لأجل الطبائع والأنجم والأفلاك لأن في الساعة التي ولد فيها ذلك الملك الكريم والسّلْطَان القاهر قد ولد فيها أيضاً عالم من الناس وعالم من الحيوانات غير الإنسان ويولد أيضاً في تلك الساعة عَالم من الناس وعالم من الحيوانات غير الإنسان ويولد أيضاً في تلك الساعة عَالم من النبات، فلما شاهدنا حدوث هذه الأشياء الكثيرة في تلك الساعة الواحدة مع كونها مختلفة في السعادة والشقاوة علمنا أن الفاعل لذلك هو الله تعالى فصح بهذا البرهان (العقلي) القاطع صحة قوله تعالى: {الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ} وقال الشاعر: