نصب على الحال من فاعل «يستغفرون» أو خبرٌ بعد خبر، و «رَحْمَةً وعِلْماً» تمييز منقول من الفاعلية أي وسع كل شيء رَحْمَتُكَ وعِلْمُكَ. واعلم أن الدعاء في أكثر الأمر مذكور بلفظ «الرب» ؛ لأن الملائكة قالوا في هذه الآية «ربنا» ، وقال آدمُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ:{رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا}[الأعراف: ٢٣] وقال نوحٌ: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً}[نوح: ٥] وقال {رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ}[نوح: ٢٧] وقال إبراهيم: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى}[البقرة: ٢٦٠] وقال: {رَبَّنَا واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ}[البقرة: ١٢٨] وقال يوسفُ {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الملك}[يوسف: ١٠١] وقال مُوسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: {رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف: ١٤٣] وقال: { (رَبِّ) إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لِي فَغَفَرَ لَهُ} [القصص: ١٦] وحكى عن داود عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ أنه استغفر ربه وخر راكعاً وقوله سلمانُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ {رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَاّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي إِنَّكَ أَنتَ الوهاب}[ص: ٣٥] ، وحكى عن زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ أنه {نادى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً}[مريم: ٣] وقال عيسى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: {رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء}[المائدة: ١١٤] وقال تعالى لمحمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ: {وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين}[المؤمنون: ٩٧] وحكى عن المؤمنين أنهم قالوا: {رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ... .}[آل عمران: ١٩١] .
فإن قيل: لفظ الله أعظم من لفظ الرب فلم خص لفظ الربِّ بالدعاء؟
فالجواب: بأن العبد يقول: كنتُ في العدم المحض والنفي الصِّرْفِ فأخرجتَنِي إلى الوجود وربَّيتني فاجعل تربيتك لي شفيعاً إليك في أن لا تُخَلِّينِي طرفة عين عن تربيتك وإحسانك (وفضلك) ، لإجابة دعائي.
فإن قيل: قوله ربنا وسعت كل شيء رحمةً وعلماً فيه سؤال، لأن العلم وسعَ كل شيء وأما الرحمة فما وصلت إلى كل شيء؛ لأن المضرورَ حال وقوعه في الضرر لا يكون ذلك في حقه رحمة وهذا السؤال أيضاً مذكور في قوله:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}[الأعراف: ١٥٦] .
فالجواب: كل موجود فقد نال من رحمة الله نصيباً؛ لأن الوجود إما واجب وإما ممكن أما الواجب فليس إلا الله (سبحانه) وتعالى. وأما الممكن فوجوده من الله تعالى وبإيجاده وذلك رحمة فثبت أنه لا موجود غير الله إلا وقد حصل له نصيب من الرحمة